اعلم يا فقير أن هذا الطريق كله آداب لا غير إذ الشرائع إنما هي آداب مع الحقائق. فمن تمسّك بشريعة الطريق وصل بحول الله إلى التحقيق ومن ترك الآداب ضل عن طريق الصواب وألقي في درك الامتحان والعذاب. قال العارف بالله شيخ الجنيد سيدي أبو حفص الحداد" رضي الله عنه: "التصوف كله آداب، لكل وقت آداب ولكل محل آداب". فإذا كان الفقير متحلياً بحلية الآداب المرضية فإنه يصلح لسلوك طريق الصوفية ، وإلاّ فإنْ بقي الفقير لا زال دائراً في الرتبة الكونية فاعلم أنه مخامَر باطنه بسوء الأدب وضعف الاعتقاد الذي يوجب الانتقاد،وجزاء الفقير إذا أساء الآداب أن يطرده الله عن صحبة أهل الجادة المرضية ويبقى تائهاً في أودية الخسارة والرزية .
وقد قيل: مَنْ أساء الأدب بالحضرة رُدّ إلى الباب ومن أساء الأدب بالباب ردّ إلى سرج الدواب، وهذا الوصف يا فقير قد رأيناه وسمعناه، ولا حول ولا قوّة إلا بالله.
وقد قال شيخنا مولاي عبد الواحد الدباغ قدّس الله سرّه: "إذا رأيت الفقير يعظم شريعة الطريق ويأخذ بآداب أهل التحقيق فاعلم أنه عبدُ هداه مولاه بسبق قدم الصدق، وإذا رأيت الفقير متخليّاً عن شريعة الآداب دفعه الله عنا وأوقعه في صحبة البقر والحمير جزاءً وفاقاً . لأن حضرتنا عالية ، بقدر علوّ صاحب الآداب فيها ينزل .
وبالجملة فاعلم يا فقير أن هذا الطريق بني أساسه على الآداب مع المشايخ والفقراء والنبي صلى الله عليه وسلم والحق جل جلاله وجميع المظاهر بداية ونهاية، في البداية شريعة وفي النهاية حقيقة، في البداية مجاهدة وفي الوسط مكابدة، وفي النهاية مشاهدة .
وإن رأيت فقيراً تعطّل فتحه ووصله فاعلم أنّه قد أخلَّ بالآداب وقد رأيتُ كم فقير تجيّح في هذا الطريق وافترسته ذئاب الشهوات وسباع الهوى ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . جعلنا الله ممن عرف الحق وعرف أهله فآمن وصدّق . آمين .