الإشارة: قد رُمي كثير من الأولياء المحققين بالاتحاد والحلول؛ كابن العربي الحاتمي، وابن الفارض، وابن سبعين، والششتري والحلاج، وغيرهم رضي الله عنهم عنهم وهم بُرءاء منه. وسبب ذلك أنهم لما خاضوا بحار التوحيد، وكُوشفوا بأسرار التفريد، أو أسرار المعاني قائمة بالأواني، سارية في كل شيء، ماحية لكل شيء، كما قال في الحِكَم: «الأكوان ثابتة بإثباته ممحوه بأحدية ذاته» فأرادوا أن يعبروا عن تلك المعاني فضاقت عبارتهم عنها؛ لأنه خارجة عن مدارك العقول، لا تدرك بالسطور ولا بالنقول. وإنما هي أذواق ووجدان؛ فمن عبَّر عنها بعبارة اللسان كفَّر وزندق، وهذه المعاني هي الخمرة الأزلية التي كانت خفية لطيفة، ثم ظهرت محاسنها، وأبدت أنوارها وأسرارها، وهي أسرار الذات وأنوار الصفات، فمن عرفها وكوشف بها. اتحد عنده الوجود، وأفضى إلى مقام الشهود. وهي منزهة عن الحلول والاتحاد، إذ لا ثاني لها حتى تحل فيه أو تتحد معه، وقد أشرت إلى هذا المعنى في تائيتي الخمرية، حيث قلت:
تَنَزَّهت عن حُكمِ الحلول في وَصفِها *** فليسَ لها سِوَى في شَكلِه حَلَّتِ
تَجَلَّت عَرُوسًا في مَرَائي جَمَالِها *** وأرخَت سُتَور الكبرِياءِ لعِزَّتِي
فَمَا ظَاهِرٌ في الكَونِ غيرُ بهائها *** وما احتَجَبَت إلا لَحجِب سَرِيرتِي
فمن كوشف بأسرار هذه الخمرة، لم ير مع الحق سواه. كما قال بعضُ العارفين: (لو كُلفتُ أن أرى غيره لم أستطع؛ فإنه لا غير معه حتى أشهده). ولو أظهرها الله تعالى للكفار لوجدوا أنفسهم عابدة لله دون شيء سواه، وفي هذا المعنى يقول ابن الفارض على لسان الحقيقة:
فما قَصَدُوا غيرَه وإن كان قَصدهُم *** سِوَاي وإن لم يُظهِروا عَقدَ نِيّه
والنصارى دمرهم الله في مقام الفرق والضلال حملهم الجهل والتقليد الرديّ على مقالاتهم التي قالوا في عيسى عليه السلام.
** ** **