ثم التفت رضي الله عنه يخاطب السالك فى هذا المسلك بطريق الاستفهام فقال : فطنت والفطنة أعم من الفهم لأنها علم وزيادة. ثم أخذ يؤكد على من يطلب هذه المرتبة بقوله: فاسبر أي تأمل وتعقل علة ما نشأ عن الأمر من حيث تعلقه بالمأمور، فإن كنت يا فتى من الفتوة وهي علو الهمة والهمة صفة الانسان الكامل. فشرع يخاطبه على سبيل الاستفهام قال : فهل أحد رآء من خلق الله تعالى أحاط علما بالعليم، أي بالذات الأحدية أو عليم أحاط به تعالى وجل عن الوصف وجود الذات الأحدية بإحاطة علم أو جهة واحتجب عن نيل يتوصل به إلى علمه إلا به، لقوله تعالى : "فلا يُظهِرُ على غيبه أحدا" ، إلا من ارتضى من رسول ومن وهبه أزلا عند قوله : ألست بربكم، وكان ذلك. فصلى من ما سبق فى قديم علمه والفصال الذى أشير إليه قديم وهو من حيز فرغ من خلق الخلق فى أزله وفرغ من خلق العالم فصاروا فى كتْم العدم واشتغل بتنفيذه فى مواقيته بقوله كن فمن ذلك الوقت انفصل الأمر بما أراده لي ولغيري من جنس الآدمى لأنهم من حيث الجنسية جزء واحد فى صورة الجمع، قال تعالى: "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة"، وهو الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها، فبعض أجزائه انفصل أزلا بالنبوة وبعضم بالولاية إلى غير ذلك من الأصناف، فلما برز من كتم العدم وحصل فى الكون والفسادِ أحاطه بالوهبة التى انفصل عنها أزلا وأرسل إلى بعضهم وهم الأنبياء فرانق أي الوحي الملكى وإلى البعض الوحي الإلهامى قال تعالى :" فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا " فإذا أكرم ربي هذا العارف بالإلهام صارت عبادته على بصيرة قال تعالى :"قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَالْمُشْرِكِينَ "وقد أتانا ممن ينزل عليه الوحي الملكى مخبرا خبر أنباء بتعيين من يكون ختم الأولياء، لأنه يكون كريم لأن الأنبياء هم الأكرمون على الله، وفيه إشارة إلى عيسى عليه السلام فإنه أكرم بمرتبة النبوة والولاية، والمراد بهذا أن العارف إذا انصلح وجوده حصل لكل عضو ولاية وختامهم الوحي الالهامى، لتحصل المضاهاة بالعالم فقلت : وسر البيت صف لي مقامَه، أي أقسمُ عليك بسر البيت والبيت ظاهر إيراد به البيت الحرام ومضاهاته القلب، فأقسم بسر البيت أن يريد ختم الاولياء وهو ما حصل من الوحي الالهامي فقال له لا ينال هذه المرتبة إلا حكيما عارفا بالإلهام يصطفيه الحق تعالى أن يكون حكيم مربي القلوب وسضع الشئ فى محله فالانبياء وضع لهم الحكم بالوحى والعارفين بالالهام وكان قايلا قال ما الذى وضع لهم من الحكمة ومن الذى يرى الوحى الالهامى فقلت له يراه من كان عارفا به الختم ويعرف موقعه من القلب، ويعرف خطرات النفس والتفاتها، ويعرف وسوسة الشيطان، كما أن النبي مداخل الشيطان فيتوقاها، وذلك أن الشيطان يأتي النبى فى صورة الوحي ليدخل عليه المفاسد، قال تعالى :"وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ" وإنما يكون ذلك ابتلاء وفتنة ممن لا يريده فيبتليه بتلك الفتنة ليكون الإنذار حجة فى الآخرة، وكذلك الولي إذا حفظه الله تعالى من فتنة الخواطر الملبوسة من النفس والشيطان، لأن الولي معصوم والولي محفوظ بالهبة القديمة، والذى يريد الله تعالى استدراجه والعياذ بالله تعالى يفتنه بما يلقىي الشيطان قال الله تعالى :"لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ" الآية، واشتد هذا المعترض قائلا إذا لم يكن عارفا بهذا الإلهام فما يكون ولي ولا تروم له درجة الولاية إذا ما رءاه، وما النافية يعني إذا ما رءا الختم تنفي عنه رتبة الولاية أو تحصل له، وليس يكون ثمن يدوم له الأسرار والمقامات فقلت مجيبا وهل استفهام يبقى لهذا العارف الذى لم يجتمع بالختم هل يبقى له أن يتصرف فى الوقت أو يكون من أرباب الإدراك عند مراودات الحق تعالى، جرت عادته بذلك فى زمن النبوة بالوحي يعرف الأنبياء مراداته وشرائعه والحلال والحرام وذلك عندما يراه من البلاغ، والعارف كذلك عندما يرى من الأمر والنهي لجوارحه الظاهرة والباطنة، فهل إذا فعل ذلك يكون له قابلية أن يرى الختم الباطن الذى هة رسول الإلهام نعم تقريراً للجواب فى سؤال الاستفهام والأمر فى رتبة هذا العارف وفيما فيه من الكمال جسيم، يعني عظيم وبالحاء المهملة يعنى قطعي، وللختم الذى يكون فى آخر الزمانِ سر وللكامل والختم الباطن أيضاً سر، وها أنا أنبهك على ذلك وذلك أن كل عارف لم يزل يجذب إليه قلب كل عارف لأن قلوب العارفين عامرة بنور الولاية، والنور يجذب ما يشاكله ويماثله والحكم للغالب فى الجذب، وقد شهدت شيئا معاينة، إذا اقترن نورين جذب النور الأعظم النور الأقل وكذلك المغناطيس يجذب الحديد لأنه خالي من السر الذى فى المغناطيس، ولكن فيه بعض مجانسة وتلك المجانسة لا تخلو من السر الذى فى المغناطيس قليلة فيجذبه، لأجل تلك المجانسة القليلة فتستولى عليه المجانسة الكثيرة لغلبتها إذا يسري ذلك السر الذي فيه. كذلك العارف يجذبه أرواح المحبين الذى فيها المجانسة إليه، فيبقى ذلك المحب كالجسد والعارف روحه، وذلك المحب يحوم حول حمى ذلك العارف، فالإمام المهدي إمام الجوارح الظاهرة والباطنة، وأما القلب الوحي الالهامى أشار إليه أي إلى هذا الإمام الفرد هو ختم الأولياء الترمذى الحكيم بختمه وهو الكتاب المسمى بختم الأولياء، وذكر فضله وأنه أفضل من أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه بكتاب ختم لأن هذا الختم الذى هو عيسى ابن مريم نبوته بلطفه وولايته ظاهرة بخلاف الصديق له جهة واحدة وكذلك العارف فإن اللسان له الصدق بخلاف القلب له جهتان جهة من قبل تلقى الالهام وجهة من قبل الجوارح وتنفيذ الأمر الوارد عليه من جملة الواردات ولم يبده لأنه بمنزلة الأمين على الأسرار، وإنما تكون فى المحافظة عليها يصونها من الأغيار ومن الأغيار النفس والشيطان، فإن النفس إذا وردت عليها الواردات الرحمانية أفرطت فى الدعوى ،والقلب منه يرى ليس له حظ فى مرادات النفس سليم فى دعوى النفس مرفوع فى محل النصب على الحال وإنما عدل عن النصب إلى الرفع مراعاة للنظم وما ناله أي سر الاخلاص فى هذه المرتبة الصديق إلا بالصدق فى أموره ظاهرا وباطنا، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:" ما سبقكم أبو بكر بصوم ولا بصلاة بل بشئ وقر فى صدره" أو كما قال، وما ذكره الشيخ رضى الله تعالى عنه بالفرض لثبوت المضاهات باللسان والقلب لمرتبة الصديق وهى دون مرتبة الختم كما سيأتى فى كلام الشيخ، وذلك أن الصديق ما نال الإخلاص إلا لما سبق له فى وقت انفصال كونه من العدم أزلا ولم يوسمه بالمخالفة وظهر فيه سر ذلك النور بانجذابه إلى النور المحمدى فلم تطلع عليه شمس التهديد وهي أحد علامات الساعة من سماء التكبر والجحد، فإن من علامات الساعة طلوعها من المغرب، وأما شمس المعرفة تشرق على القلب من سائر الجهات على الدوام، بخلاف الجاحد لهذا المقام فإنه بعيد منه لما لم يسبق له فى وقت الانفصال توفيق، فهو عديم من الاطلاع على هذه الأسرار الالهية محجوب عنها وذلك لحكمة ، ليحصل التفاضل بين الفاضل والمفضول، فلو لم يكن له مذاقا أي ليس له ذوق يفرق بين المشارب، قد علم كل أناس مشربهم، فالكامل وإن كان مشتغلاً بالتربية ولكن الفؤاد الذى هو سويداء القلب مشاهد بالمراقبة إلى كل ما يبديه من الالهام ويقذف فى الفؤاد من نور الأسرار، كتوم، أي لا يظهرها ولا يفشيها ما لم يحصل له الإذن فى افشائها كما قال بعضهم :
ومستخبى عن سر ليلى رددته
فاصبح من ليلى يعين
يقولون لى صفها فأنت أحببتها
وما أنا إن أخبرتهم بأمين
فمن شرط العارف أن يغار على السرار من الأغيار، لأن الغير لو كان أهلا له لما حجب عنها. ورأيت فى الفتوحات المكية حكاية أخبر فيها الشيخ عن نفسه أنه أودع إنسانا سرا فعاتبه الله تعالى فى سره على ذلك، قال فقلت : إلهى أنت قادر أن تنسيه ذلك ثم غاب عني مدة مديدة وعاد فسألنى وقال : قد كنت قلت لى شيئا ونسيته فما هو ؟ قلت: ما أدري، فعلمت عند ذلك أن الله أنساه ذلك السر صونا أن تلحق الثرى أي النفس لأنها من العالم السفلي وهو الثرى وإذا اطلعت النفس على الواردات أفرطت فى الدعوى ولهذا خاف النبى صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مِن نفسه أن تطغى فطواها فى مطاوي الانكسار فأخبر الله تعالى عند ذلك قال تعالى :"إن الانسان ليطغى أن رءاه استغنى" فإذا مال مع هواه سقط من المرتبة. وإن كنت ممن يبادر الوقت بالمراقبة فإذا بدت لك الأسرار تمتطيها أي تسر فى مجاورتها وقوله تعالى :" ثم ذهب إلى أهله يتمطى" لأنها تبدو كالزهر لسرعة زواله وتبدو للسالك الكامل العارف وهى نجوم مزهرة مشرقة يهتدى بها، وجعل لكم النجوم لتهتدوا بها، وقال صلى الله عليه وسلم: "أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" وهي عند أقوام تسميها وقائع وبعضهم يسميها خواطر وهى كالنجوم، فإذا خطر له أمر ما من الأمور وشهد ما حكم الله تعالى بالبصيرة التى وهبه الله تعالى إياها، إن كان ذلك الخاطر رحمانياً أو شيطانياً أو ملكياًً أو إلهاماً، وعند بعضهم يسمى الإلهام إلقاء، فإن خطر بالهيبة والعظمة يسمى إلقاء، وإن خطر باللذات والشهوات يسمى نفسانياً، وإن خطر بالميل إلى المباحات يسمى هاجساً، وإن خطر بالميل إلى المعاصى يسمى شيطانياً، فإذا اجتهد المريد الكامل فى المجاهدة فإن كان عارفاً بهذه النجوم والخواطر وكان له همة وسابقة لأنه قال تعالى : " وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ "إلخ . فإن كان سعيه إلى الله نجومه أبدروا، لأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية قال الله تعالى :" وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى " وقال: " وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا " فالمرتبة الأولى وهى مرتبة النجوم وهى مرتبة العوام والثانية كالبدور وهى مرتبة الخواص أو أشمسوا أى صار نور إيمانهم كالشموس وهم الأنبياء، فإن نهاية ترقى الأعمال إلى سدرة المنتهى قال ابن الفارض :
أخالُ حضيضي الصّحو ، والسُّكرَ معرَجي
إليها ومحوِي مُنتهى قابَ سِدرتي
أخال أظن من قولهم خلت كذا ظننته حضيضي الأرض وفى الحديث أتي النبى صلى الله عليه وسلم بهدية فقال : ضعها على حضيضي فوضعها على الأرض، والصّحو الموت لقوله صلى الله عليه وسلم :" الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا" والسكر الحياة والتكاليف ونهاية منتهى الأعمال التى يعملها أهل الدنيا سدرة المنتهى، فالسدرة منتهى أعمال الأولياء والأنبياء فوق عرشه. وكذلك العارفون منتهى الواردات الرحمانية فوق عرش القلب، وكان لهم أي لكل واحدة من هذه المراتب عند المقام الذى وهبه الله تعالى عند انتهائه إليه لزوم، لأنه ما من نبي ولا ملك إلا وله مقام معلوم يقف عنده، والدليل قصة جبريل مع النبى صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء لما فارقه وعاتبه على غيبته فقال: هذا مقامي لو تجاوزته لاحترقت بالنور" وما منا إلا له مقام معلوم، فمن العارف من شدة المجاهدة (...) للتقليل قد يبدوا عليهم أشعة تلك الأنوار ويبدوا لهم شهود ما وتظهر لهم آياتها فمنهم من يومر بالإرشاد وهو نجوم الهدى يهتدى بها فى ظلمات الليل قال تعالى : " وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ " ومنهم من لم يومر بالإرشاد فيكون كالنبي الذى لم يؤمر بالبلاغ والذى يهتدي كالمرسلين، والعارف الكامل كأولي العزم. وهذا تعظيم فى حق نبينا صلى الله عليه وسلم إذ جعل الله تعالى فى أفراد أمته من لهم مراتب كمراتب الأنبياء من الأمم الماضية .وقال الشيخ زين الدين عمر بن الفارض رضى الله عنه :
فعالمنا منهم نبى ومن دعى
إلى الله منهم قام بالرسليتى
فالذى لم يؤمر بالبلاغ نجم أيضاً ولكنه من غير السيارة التى يهتدى بها، وإنما هو فى النجوم الثوابت ورجوم، أي ترجم الشياطين أن تصل إلى سماء المعرفة من يريد أن يسترقوا السمع من الواردات الرحمانية فلما رءا من عظمة الفاعل الحقيقى هذه الموهبة قال فسبحان أي أنزه من أخفى من هذا العبد الضعيف هذه الرتبة العلية ووهب لهذا الانسان الكامل عين البصيرة لينظر بها أي بهذا العين ذاته التى تتفجر منها الحكمة للحديث "من أخلص لله أربعين صباحاً تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه" تنشأ بالمجاهدة فى وجود العارف عن قوله كن عليه أي على القلب عميم يحفظ القلب من الخطرات والهواتف ومن نظر الشيطان إليه، لأنه محل نظر الحق ومحل نظره ليس للشيطان عليه سبيل، ومن حجب هذه المراتب أعمى وإن كان بصيرا ولكنه قابل العلاج كالمرمود الذى أصابه رمد إذا عولج بالأكحال الحادة ربما يستقيم نظره، وإن أصر على عدم المعالجة أفضى به إلى العماء فيفوته إدراك هذه الأنوار، وهذا المقام لا يدري صاحب العزم السبق العالي الهمة إلا بالتوفيق وما حصل له أزلا بالمجاهدة العظيمة وكيف يرى لذة الشفاء وهو لا يعرف مقدارها، فإنه لا يعرف مقدار الصحـة إلا المرضى ولا طـيب الحياة سقيم، لا يعرف قدر الحياة إلا الموتى والسقيم لأن السقيم تضعف قوته عن تناول طيب الحياة والحياة لا تستقيم إلا بحفظ الصحة واستقامة العناصر الأربعة، فإن قوي أحد العناصر كان الحكم للغالب كالذى غلب عليه السوداء وترك العلاج فى ابتدائه فتزايد سلطانها إلى أن أفضى به إلى الصدع، فمطلق الانسان مركب من خمسة عشر شيئا وإليه الإشارة بقوله وأشخاصنا ليعم الكامل وغيره خمس الأربع طبائع والجسد وخمس وهي الحواس الخمسة الظاهرة وخمسة وهي الباطنة فالخمسة الأولى الصفراء والسوداء والبلغم والدم والجسم الضابط لهم، والخمس الثانية الحواس الظاهرة وهى السمع والبصر والشم والذوق واللمس، والخمس الثالثة وهى القلب والعقل والروح والفكر والصبر عليهم ترى أمر الوجود الانسانى يقوم ما اختلت واحدة من هذه الخمسة عشر انخرم الجسد الآدمى واختلفت طبائعه فإذا بلغ أشده حصل له الاعتناء قال تعالى : " وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ".
وقال بعضهم أشده البلوغ، ومن قال من العلماء أن من بلغ الأربعين فقد بلغ أشده فإنها نهاية لهم فى بلوغ الوقت الذي يستحق النبى النبوة والولي الولاية وهذا غير مذهب أهل هذا الشأن فهو قول يرتضيه كليم أي متكلم من علماء الكلام ومن ذهب إلى ذلك من العلماء، وأما علماء هذا الشأن فإنهم يقولون النبوة والولاية قد يعطاها النبى قبل البلوغ كما قال فى حق يحيا وآتيناه الحكم صبيا، وقال صلى الله عليه وسلم :" كنت نبياً وآدم بين الماء والطين وكنت نبيا ولا آدم ولا ماء ولا طين" فأين ما قاله علماء الكلام. واختلف العلماء فى أولي العزم وان تضيف أن تنبىء عن عددهم أخبر أي أنبئ عن ثمانِ من الأنبياء وهم آدم ونوح وإبراهيم ويونس وداود وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم أجمعين فآدم أخرج منهم قال الله تعالى : " وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا " ويونس قال الله تعالى :"وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ" ولا تزد على العدد المذكور طريقهم فرد أي واحد إليه ظاهر المسلك قويم لكل عارف بالملة المحمدية حنيفا مسلما مائلا عن الباطل إلى الحق المستقيم فسبعتهم فى الأرض وهم السبعة المذكورون، وسبعة أخرى كل واحد منهم على قلب نبى الأول، منهم على قلب آدم والثانى على قلب نوح والثالث على قلب إبراهيم والرابع على قلب يونس والخامس على قلب داود والسادس على قلب موسى والسابع على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وفى العارفين مضاهاة هذه الحواس الخمس والقلب واللسان فهذه السبعة فى أرض المدينة الانسانية لا يجلونها العارفون بالله تعالى وكيف يجلونها وهى معلومة عندهم وثامنهم عيسى الالهام المرفوع فى السماء وأنصاره لقتل دجال الشيطان وهو عند النجوم مقيم إلى الوقت المعلوم لزيم أي ملازم إلى وقت إنزاله فعند فناء خا الزمان، أي عند انقضاء آخر الزمان ودالها أي انقضاء دنياها على فا، أي فناء بعض الآيات الدالة فى آخر الزمان عند مدلول أي ظهور الآيات الراءات في آخر الزمان وتكرار دوران الفلك وتكرار الأيام والشهور وهو مدلول الكرور أي يتكرر الزمان أي يتقارب زمانه يقوم ، وكذلك العارف بتكرار العبادة مع تكرار الأوقات يقوم عيسى الإلهام لقتل دذّال النفس والشيطان ، والدليل على ظهور ذلك الختملما ثبت من الأحاديث الصحيحة عن حديفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال :" اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر فقال ما تذاكرون قالوا نذكر الساعة قال إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى المحشر" وأول ذلك طلوع الشمس من مغربها وقد يراد بهذه الأحرف تاريخ ظهور المهدي وعيسى والدجال وذلك من قوله : وعند فناء خا الزمان وهي أول الحساب مع قلب الهـمزة يـاء إلـى قـوله مـدلول يظـهر من الحـساب ألفا وأربعـماية وخمسين وفي الخـمسين إلى السـبعين يظــهر والله تعـالى أعـلم مـعدود مـع السـبعة الأقطـاب الذين هـم كل واحـد على قلب نبـي وهـم الأعـلام للهـدى الذين يستـفاد مـنهم عـلم التـوحيد والهـداية والحـال أن الناس عـما يراد بـهم مـن أمـور السـاعة والهـداية غــفل عن عــلامات حـوادث خـتم الأوليـاء وأيضـا غافـلون عن أمـور الساعة وأيضـا غافـلون عن أمـر الخـتم الباطـني الإلهـامي، ولأن الخـتم عـليم بتـدبير الأمـور الدنيـوية والدينيـة لأنه اطـلع عـلى الأمـور الديـنية فـي زمـان النبـوة والأنبيـاء كـلهم في شـرع واحـد وديـن واحـد ولكـن حصل التبـديل من بعدهم بالفـترة وهذا الخـتم حكـيم في وضـع الشـيء في محـله ومنصـور بما سـبق له ومـؤيد بالتـأييد الإلهـي وكـل من عـاداه مخـذول وفي الروضـة الخـضرآ يعني دمشق وذلك لما روي أنه يبعث المسـيح عيسـى بن مـريم فينزل عند المـنارة البيـضا شـرقي دمشق وذكـر القرطـبي أنه ينزل في السحـر فـيقول أيـها الناس ما مـنعكم أن تخـرجوا إلى الكـذاب الخـبيث فيقـولون هـذا رجل جـني فينطـلقون فإذا هـم بعيسـى ابن مـريم . وخـرج مسـلم وابن ماجـة عن أبي هـريرة قال: قال رســول الله صلى الله عليه وسلم لينزلن ابن مـريم حـكما عـدلا وأن يكـسر الصـليب ويقـتل الخنزير، وكذلك خـتم وجـودك يكـسر صليب نفـسك ويقـتل خنزير شـيطانك، وأشـار إلى هـذا المعـنى ابن الفـارض:
نالني من والدي العـز والشـرف
فذلك يربي القلب والقلب جوهر
وهذا يربي الجسم والجسم كالصدف
وَجُذَّ بسَيْف العَـزْمِ سَـوْفَ فإن تَجُـدْ
تَجِـدْ نَفَسًا فَالنَّفْـسُ إِن جُدْتَ جدَّتِي
أي اقـطع بسيف العـزيمة أصـنام وجودك وهي سوف ولعـل وعـسى فإن تجـد نفسا فالنفـس إن جدت بـها وقطـعتها عن مـألوفاتـها جـذت أي انقطـعت لأن العـالم إذا لم تعـلو همـته كـان كـمن لم يكـن له عـزم في قطعـها فـتميل نفـسه إلى خـضراوات الشـهوات وعـند التفاتـها إلى تـلك الخـضراوات يكون سـموا أي علو هـمته وهـمة عـداته لأن عيسـى والمـهدي تسموا همتهما في قتـل الدجال وتشـتد عـداوتهما له وكـذلك العـارف تسـموا هـمته وتشـتد عـداوته عند مـيل النفـس إلى الخـضراوات الدنيـوية والشـهوات الشيطانية وصـاحبـها أي الروضة الخـضراء يعـني دمـشق وكـذلك الروضـة الأحدية فإن الله تـعالى بالمـؤمنين في ذلك الوقـت رحـيم بـما يحـصل لهم من الخـوف من الدجال ورحـيم بمن حصل له فـترة في أمر الدجال وكذلك العـارف إذا حـصل له فـترة من نفـسه وشيطانه ورجـع فالله رحـيم به ويخـتص ذلك الخـتم في ذلك الوقت بالتدبـير في أمـر الناس لأنه أولى من الولاية التي تكـون عليهم وكـذلك العـارف أولى بتدبـير المـريدين من آبائهم كـما قال بعـضهم:
انظـر أسـتاذي على والدي وإن نالني من والدي العـز والشـرف
فذلك يربي القلب والقلب جوهر
وهذا يربي الجسم والجسم كالصدف
قوله :اشخاصنا خمس و خمس وخمسة يعني بها الأنبياء الخمس الأولى هم أولو العزم و الخمس الثانية هي الدين أوتوا الكتب والخمسه لعدد الأنبياء المذكورين في القرآن و هم خمسة و عشرون... اما حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن أحداث آخر الزمان :" اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر فقال ما تذاكرون قالوا نذكر الساعة قال إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى المحشر" نلاحظ هنا عدم ذكر النبي للمهدي و هو بداية هذه الاحداث فما اعتقده هو أنه هو المقصود بالشمس التي تشرق من المغرب فضهوره يكون من بلاد المغرب... وكما جاءت إلآيه :الم ترى إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ان آتاه الله آلملك إذ قال إبراهيم ربي ألذي يحي ويميت قال انا أحيي و اميت فقال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فاتي بها من المغرب فبهت الذي كفر " هنا نرى تجلي معنى الحديث حيث إذا طبقنا أسلوب الرد الذي جاء به الملك علی شروق الشمس من المغرب لوجدنا الرد على عدم ذكر خاتم الأولياء في أول الحديث و الله هو القادر علی ذلك في كلت الحالتين سواءا اكان المقصود هي الشمس تشرق من الغرب ام رجل صالح يظهر من المغرب و الله اعلم
ردحذف