آخر الأخبار

جاري التحميل ...

القرب من منظار التصوف


الصوفيون عرّفوا القرب :

حال القرب : لعبد شاهد بقلبه قرب الله منه فتقرب إلى الله تعالى بطاعته، وجميع همّه بين يدي الله تعالى بدوام ذكره في علانيته وسرّه. ومن الواضح أن الصوفيين، جعلوا القرب مطيتهم إلى الله عزّ وجلّ، لأنه يدل على صفاء القلب، وإخلاص الودّ، فيصبح العبد نوراً يمشي على أرض المعرفة، يضيئها بحسن أخلاقه، ويستضيء منها بتجلي نور الحبيب على مرآة قلبه، فيتلاقى مع من أصبح أقرب إليه من حبل الوريد، وقد شرب من كأس حبّه صرفاً. ولعل أسمى أحوال القرب هي ألا يرى العبد قربه قرباً، لأنه " ما دام العبد يكون بالقرب، لم يكن قرب حتى يغيب عن القرب بالقرب، فإذا ذهب عن رؤية القرب بالقرب ، فذلك قرب ، يعني عن رؤية قربه من الله عزّ وجلّ بقرب الله منه ". وبهذه المعاني يتّضح لنا أنّ لفظة القرب أخدت بعداً دلالياً جديداً ، هو أقرب إلى تجريد الكلمة من معناها المكاني والزماني إلى معناها الروحي ، الذي يستلهم منه الصوفيون ، تلك العلاقة الصافية بين العبد والمعبود ، حتى ليصبح العبد وقد تجلّت أسماء الله تعالى على مرآة قلبه ، كانعكاس أنوار نجوم السماء وقمرها على صفحة الغدير الصافي ، فلا هي نزلت من عليائها ، ولا هو حُرم من شعاعها . 
دلالة "القرب" عند : 
قال ذو النون : "إذا رأيته يؤنسك بخلقه ، فإنه يوحشك من نفسه ، وإذا رأيته يوحشك من خلقه ، فإنه يؤنسك من نفسه" . 
قيل لذي النون: "متى يأنس العبد بربه؟ قال: إذا خاف أنس به، أما علمتم أنه من واصل الذنوب نخى عن باب المحبوب". 
وقال: "الأنس بالله من صفاء القلب مع الله". 
وقال : إذا اطّلع الخبير على الضمير فلم يجد في الضمير غير الخبير، جعل فيه سراجاً منيراً. 
إن الباحث في الخاطرتين الأوليين عند ذي النون عن القرب، يستنبط أن الدنوّ من الله سبحانه ، يحتاج إلى ترك ما لا يريده الله سبحانه . - فالأنس بالناس حجاب عن الزلفى. والوحشة من الناس قرب من الله. 
- ومواصلة الذنوب حجاب عن القرب. والخوف من الله قرب منه، وأنس به. 
أمّا في الخاطرتين التاليتين فينقلب المعنى من المقارنة بين القرب والبعد، أو الأنس والوحشة، إلى سرّ وجود القرب في القلب . 
- فصفاء القلب ينتج الأنس أو القرب . 
- وانفراد الضمير بعدم مشاركة شيء الخبير ، يضيء الضمير بسراج منير . 

فالقرب إذن يحتاج إلى الإخلاص ، والإخلاص يعني التوحيد ، كما جاء في سورة الإخلاص : (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4). وبما أنّ الله سبحانه منزّه أن يكون له كفواً أحد. لذلك من يريد القرب منه عليه ألا يلتفت إلى أحد سواه.
وإذا كان صفاء القلب ونور السراج فيه، دليلين على القرب، فهما يمثلان ما جاء في سورة النور المباركة بقوله تعالى:(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). وفي هذه الآية الكريمة إشارة إلى القرب بخاصة إذا قرأنا تفسير الصوفية لهذه الآية بقولهم :"الزجاجة هي القلب، والمصباح هو الروح، والشجرة التي تتقد منه الزجاجة المشبّهة بالكوكب الدرّي هي النفس ، والمشكاة هي البدن".
وممّا تجدر الإشارة إليه أن قول الله سبحانه :( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) . وقوله عزّ وجلّ:(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ). كما ذكرناه سابقاً ، ينطبق على معنى القرب عند ذي النون مع ما أبرزه لنا من حقائق القرب التي لا يمكن أن تتحقق إلا بالإخلاص لله تعالى بحيث لا يشرك به أحد.
فالقرب علاقة روحية بين العبد والمعبود، لا يطلع عليها الخلق،ولا تنكشف إلا لمن كان ذا لبّ طاهر كالزيتونة المباركة الفائضة على العبد بساطع نور الهداية، المقرّب من الرب الغفور. 
سئل السريّ السقطي عن القرب ، فقال : "هو الطاعة". 
سئل أبو يزيد :"ربّ أحد قريب منّا بعيد عنّا ، وربّ أحد بعيد عنّا قريب منّا". 
وقال :"يرزق العبد الحلاوة ، فلفرحه به ، يمنعه عن حقائق القرب". 
د - الجنيد البغدادي : 
قال الجنيد رحمه الله: "و اعلم أنه عز وجل يقرب من قلوب عباده على حسب ما يرى من قرب قلوب عباده منه ، فانظر ماذا يقرب من قلبك".
** ** ** 
خاطرات الصوفية بين دلالة الرمز وجمالية التعبير


التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية