آخر الأخبار

جاري التحميل ...

رسالة في الطريق إلى الله للشيخ نجم الدين الكبرى

أولها : طريق أرباب المعاملات بكثرة الصوم والصلاة وتلاوة القرآن والحج والجهاد وغيرها من الأعمال وهو طريق الأخيار ، فالواصلون بهذا الطريق في الزمان الطويل أقل من القليل .
 وثانيها : طريق لأرباب المجاهدات والرياضات وتبديل الأخلاق وتزكية النفس وتصفية القلب وتحلية الروح والسعي فيما يتعلق بعمارة الباطن وهو طريق الأبرار ، فالواصلون بهذا الطريق أكثر من ذلك الفريق ، ولكن وصول النوادر منهم من النوادر ولذلك لما سئل بن منصور إبراهيم الخواص : في أي مقام تروض نفسك ؟ قال : أروض نفسي في مقام التوكل منذ ثلاثين سنة .
قال : أفنيت عمرك في عمارة الباطن فأين أنت من الفناء في الله .

 وثالثها : طريق السائرين إلى الله والطائرين بالله وهو طريق الشطار من أهل المحبة السالكين بالجذبة ، فالواصلون منهم في البدايات أكثر من غيرهم في النهايات ، فهذا الطريق المختار مبنى على الموت بالإرادة ، كما أن الموت رجوع بغير إرادة لقول النبي :( موتوا قبل أن تموتوا ) وهو محصور في عشر فصول :
أولها : التوبة ، وهو الرجوع إلى الله تعالى بالإرادة كما أن الموت رجوع بغير إرادة لقوله تعالى :(ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً) وهو الخروج عن الذنوب كلها ، والذنب ما يحجبك عن الله من مراتب الدنيا والآخرة فالواجب على الطالب الخروج عن كل مطلوب سواه حتى الوجود كما قيل : وجودك ذنب لا تعايبه.
وثانيها : الزهد في الدنيا والآخرة لقوله : ( الدنيا حرام على أهل الآخرة ، والآخرة حرام على أهل الدنيا ، وهما حرامان على أهل الله تعالى ).
وثالثها : التوكل على الله تعالى ، وهو الخروج عن الأسباب ، والسبب ثقة بالله تعالى كما هو بالموت لقوله تعالى : (ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) .
ورابعها 
القناعة ، وهو الخروج عن الشهوات النفسانية والتبعات الحيوانية كما هو بالموت إلا ما اضطر إليه من حاجة الإنسان فلا يسرف في المأكول والملبوس والمسكن ويقتصر على ما لا بد له من قوته .
وخامسها 
العزلة ، وهي الخروج عن مخالطة الخلق بالانزواء والانقطاع إلا عن خدمة شيخ واصل مربي له وهو كالغسال للميت بين يدي الغاسل يتصرف فيه كيف يشاء ليغسله بماء الولاية عن جنابة الأجنبية ولوث الحدوث وأصل العزلة ، عزل الحواس عن التصرف في المحسوسات ، فأن كل آفة وفتنة ابتلى الروح بها وكانت تقوية النفس وتربية صفاتها دخلت من روزونة الحواس وبها استشعبت الروح النفس إلى أسفل السافلين وقيدته بها واستولت عليه وبالخلوة وعزل الحواس ينقطع مدد النفس من الدنيا والشيطان وإعانة الهوى كما إن الطبيب في معالج المريض شغله أولاً بالاحتماء عما يضره ويزيد في علل مرضه فينقطع عنه بذلك مدد المواد الفاسدة التي منها ينبعث المرض وينقى به المواد وقد روي : ( الحمية رأس كل دواء) ثم يعالجه بمسهل يزيل عنه المواد الفاسدة ويقوي به الطبيعة والحرارة الغريزية ليزول عنه المرض بدفع الطبيعة ويجذب الصحة فالمسهل هاهنا بعد الاحتماء وتنقية المواد الفاسدة هو الذكر الدائم .
وسادسها 
ملازمة الذكر، وهو الخروج عن ذكر ما سوى الله تعالى بالنسيان ، قال الله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) أي إذا نسيت غير الله كما هو بالموت فأما نسبة المسئلة بالذكر وهي كلمة ( لا إله إلا الله ) فإنه معجون مركب من النفي والإثبات ، فبالنفي يزيل المواد الفاسدة التي يتولد منها مرض القلب وقيود الروح وتقوية وتربية صفاتها وهي الأخلاق الذميمة النفسانية والأوصاف الشهوانية وتعلقات الكونين وبإثبات ( إلا الله ) وبنوره يحصل صحة القلب وسلامته عن الرذائل من الأخلاق الذميمة بانحراف مزاجه الأصلي واستواء مزاجه وتنور حياته بنور الله فيتجلى الروح بشواهد الحق وتجلى ذاته وصفاته وأشرقت ارض النفس بنور ربها وزالت عنها ظلمات صفاتها ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) فعلى قضية (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) تتبدل الذاكرية بالمذكورية والمذكورية بالذاكرية ويفنى الذاكر في الذكر ويبقى المذكور خليفة للذاكر ، فإذا طلبت الذاكر وجدت المذكور ، وإذا طلبت المذكور وجدت الذاكر ، فإذا أبصرتني أبصرته وإذا أبصرته أبصر تنا. وسابعها الصدق إلى الله تعالى بكلية وجوده وهو الخروج عن كل داعية تدعوه إلى غير الحق كما هو بالموت ، فلا يبقى له محبوب ولا مطلوب ولا مقصود ولا مقصد إلا الله تعالى ، ولو عرض عليه جميع مقامات الأنبياء والمرسلين فلا يلتفت إليها بالإعراض عن الله تعالى لحظة كما قال الجنيد رحمه الله : ( لو أقبل صديق على الله ألف سنة ثم أعرض عنه لحظة فما فاته أكثر مما ناله ).
وثامنها الصبر ، وهو الخروج عن حظوظ النفس بالمجاهدة والمكابدة كما هو بالموت والثبات على نظامها عن مألوفاتها ومحبوباتها بتزكيتها وخمودها وشهواتها والاستقامة على الطريقة المثلى فتصفية القلب وتخلية الروح قال الله تعالى : (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ).
وتاسعها المراقبة ، وهو الخروج عن حوله وقوته كما هو بالموت ، مراقباً لمواهب الحق ، معترضا لنفحات ألطافه ، معرضا عما سواه ، مستغرقا في بحر هواه ، مشتاقا إلى لقائه ، إليه يحن قلبه لديه بأن روحه به يستعينه عليه وبه يستغيث إليه ، حتى يفتح له باب رحمة ، رحمة لا ممسك لها ، ويغلق عليه باب عذاب لا فتح له ، فيفوز بنور ساطع من الله ، رحمة الله على النفس ، تزول ظلمة إماراتها في لحظة ما لا تزول في ثلاثين سنة بالمجاهدات والرياضات كما قال الله تعالى ( إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي) وهم الأخيار بل تبدل سيئات النفس بحسنات الروح لقوله تعالى : (فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) وهم الأبرار بل تكون حسنات الأبرار سيئات المقربين بحسنات ألطافه لقوله تعالى : (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ) فهذه الزيادة حسنات ألطاف الحق ذلك فضل الله يؤته من يشاء .
وعاشرها الرضا ، وهو الخروج عن رضا النفس بالدخول في رضا الله تعالى بالتسليم للأحكام الأزلية والتفويض إلى تدبير الأبدية بلا إعراض ولا اعتراض كما هو بالموت قال بعضهم شعراً :      
 وكلت إلى المحبوب أمري كله          فإن شاء أحياني وإن شاء أتلفا
 فمن يموت بإرادة عن هذه الأوصاف الظلمانية يحييه الله بنور عنايته كما قال تعالى : ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَبِخَارِجٍ مِنْهَا ) أي من كان ميتا بأوصاف نفسه الظلمانية في شجرة الإنسانية أحييناه بأوصافنا الربانية ( وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ) أي بذلك النور في سرائر الناس يمشي بالفراسة ويشاهد أحوالهم (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ) أي كمن بقي في ظلمات شجرة الإنسانية ليس بخارج منها لا بزهرية المؤمنية ولا بثمار الولاية والنبوة .  


التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية