(تَوَكَّلْ عَلَى الله حَتَّى يكُونُ الغَالِبُ عَلَيْكَ ذِكْرُهُ عَلَى ذِكْرِكَ ، فَإِنَّ الخَلْقَ لَنْ يَغْنُوا عَنْكَ ِمنَ الله شَيْئاً)
توكل أيها المريد على الله في أمورك ، واسلب له الإرادة في شؤونك ، واشتغل بذكره وتسبب في قربه حتى يصير ذكرك له غالبا على ذكرك لنفسك بسب امتزاجه بلبك ودمك ولحمك . فإذا تحقق لك ذلك يكون دليلا على قربك من الله ، حيث أجرى ذكره على لسانك ، بل حتى برز من قلبك بدون تكلف منك . قال في الحكم العطائية : "أكرمك بكرامات ثلاثة : جعلك ذاكراً له ، ولولا فضله لم تكن أهلا لجريان ذكره عليك ، وجعلك مذكوراً عنده فتمم نعمته عليك" . وإذا لم تتوكل أيها المريد عليه وتغيب في ذكره عن ذكرك ، وتسير على هذا المنوال بل استبدلت ذكره بذكر ما سواه كائناً مَنْ كان فإنك تُهلك ، لأن الخَلق لا يغنوا عنك مِن الله شيئاً ، وكفى بكَ جهلاً أن تتعلَّق بمَن هو أحوَج منكَ ، أي شيء ينفعك الخلق وهم مخلوقون مثلك ، وهل يستطيع يرفع عنك ما نزل بك مَنْ لم يستطيع أن يرفع عن نفسه ما نزل به "إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ" ، "أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ" . قال بعضهم :"من شهد الخلق لا فعل لهم فقد فاز ، ومن شهدهم لا حياة لهم فقد حاز، ومن شهدهم عين القدم فقد وصل" . وقد قلت :
توكل على الإله في كل حالة
وإياك والمخلوق تركن لفعله
فإن الناس أموات كلا فما ترى