في حديث جبريل تفسير الإيمان والإسلام والإحسان، بأن الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره، وأن الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، وأن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
فلا ريب أن مدلول الإيـمان هو محور علم العقائد الذي تكفل هذا العلم بالبحث فيه إجمالاً وتفصيلاً، وأن مدلول الإسـلام يرجع فيه إلى علم تصحيح العبادات، لكن للإحـسان علماً آخر ورجالاً آخرين، هم المتكفلون بتنبيه الناس إليه، فإذا عرفنا أننا نرجع في العقائد إلى أرباب علم الكلام، وفي العبادات إلى الفقهاء، فإلى من نرجع يا ترى في الإخلاص في المعاملات العملية والقلبية الذي هو مدلول الإحسان؟.
لا يزال الصوفية من قديم منذ ظهرت نحلتهم الخاصة المنبثقة من نفس روح الدين كعلم له قواعده ومبادئه وغاياته، ككل العلوم المنبثقة من ديننا الحنيف، لا يزالون يرفعون عقيرتهم بأن قطب ما يزاولونه إنما يدور حول العمل لوجه الله الكريم، فيعبد كما يستحق جل جلاله بنية خالصة لا رياء فيها ولا سمعة، وقديماً قال قائلهم: التصوف أن تعمل على وجه الإخلاص بما صح في الكتاب والسنة.
هذا التصوف الصافي الذي لا عوج فيه ولا أمت، ولا يهولن من يطالع كتب القوم إذ وجد اختلافاً في العبارات، في التعبير عن التصوف، فلكل قوم أن يصطلحوا بما شاءوا، ولكن متى عرف الإنسان اللب فلا عليه بالقشور، ومن لم يأخذ علماً من أربابه فكيف يمكن له أن يعرف مصطلحاته، ولا أن يدرك دقائقه؟.
كل من يَتقرّى أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحوال أصحابه يجد الأصل الأصيل مما عند الصوفية واضحاً بيناً في أفعالهم وفي أقوالهم وفي نياتهم، ولذلك كان هدى الرسول وأصحابه هو ما يقتفى عند القوم، فحين كان مقصود التصوف الإخلاص، وكان الإخلاص كالعرض الذي لا يظهر إلا في الجوهر، كانت الأقوال والأفعال مجلي الإخلاص دائماً، فمن لا يظهر عليه الإخلاص في أعماله فهيهات أن يسمى مخلصاً، ومن أسر سريرة ألبسه الله رداءها.
فحينئذ ليس لب التصوف في جوهره لبس المرقعات، ولا التقلد بالسبحات، ولا الحلق المستديرات، ولا الإغراق والغلو في محبة الشيوخ، ولا إرسال العذبات، ولا الانحياز إلى طائفة دون طائفة، بل التصوف هو الاستقامة على السنة الصحيحة التي كان عليها الرسول وأصحابه، والصدر الأول من السلف الصالح رضي الله عنهم، فكيف يفلح من يعمل عن قصد عملاً لم يعمله الرسول صلى الله عليه وسلم، محتجاً بأن فلاناً يفعل ذلك؟ لا والله، لا خير إلا في السنة ولا فلاح إلا لمن يحرص على أن لا يخرج عما صح عن خير المرسلين الذي أمرنا بالاقتداء وحده، ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ).
فخير أمور الدين ما كان سنة
وشر الأمور المحدثات البدائع
** ** **