قال أبو القاسم الجنيد بن محمد رحمة الله عليه : الحمد لله الذي بذكره نفتتح الكلام ، وبحمد خاتمته التمام ، وبتوفيقه السداد ، وفي طاعته الرشاد ، وصلى الله على محمد المختار ، وعلى آله الطيبين الأخيار .إن الله خلق القلوب وجعل داخلها سرُه، وخلق الأنفاس وجعل مخرجها من داخل القلب بين سر وقلب . ووضع معرفته وتوحيده في السر[1]، فما من نفس يخرج إلأ بإشارة التوحيد [2] على دلالة المعرفة في بساط الاضطراب إلى عالم الربوبية ، وكل نفس خلاف ذا فهو ميت وصاحبه مسؤول عنه .
وقال : النفَس [3] ريح الله سُلطَ على نار الله التي في داخل القلب .
وقال : النفَس [3] ريح الله سُلطَ على نار الله التي في داخل القلب .
وقال : النفَسُ هتف النور . وقال: في أصل النفس من خمسة : من نار أو من نور ، أو على نور ، أو على ظلمة ، أو من ظلمة ، أو من نار النور .
وقال : ما عبد الله أحد بمثل ما عبد بالأنفاس وما عصى الله بمثل ما عصى بالأنفاس .
وقال أبو العباس بن عطاء : في نفَسٍ واحدٍ نجاة العبد ، في نفَس واحد يكون كافرا بالله .
وقال ابن عطاء : ليس شيء أشدّ على أولياء الله [4]من حفظ الأنفاس عند الأوقات .
قال الجنيد : النفَسُ الرحماني [5] إذا هاج من السر يموت القلب والصدر والنفس ولا يمر شيء إلا احترق ذلك الشيء حتى العرش [6] .وقال النوري : في نفس الرحمانية إذا تنفس يموت السر أيضا .
وقال: الأنفاس ثلاثة وما سواها باطل: نفَسٌ فى العبودية، ونفَسٌ بالربوبية، ونفَسٌ بالرّب.
وقال النوري :الأنفاس ثلاثة : من الله ، وإلى الله ، ومع الله .
وقال رويم : لحصر أوقات النَّفَسُ فيها حرام .
وقال النوري : النفَس عند المشاهدة [7] حرام . وعند المكاشفة [8] حرام ، وعند المعاينة [9] حرام ، وعند المسابقة [10] حلال ، وعند المحادثة [11] حلال ، وعند الخطرات [12]كلها حلال ، وعند الإشارات [13] ليس بحلال .- أي لأنك إنما تشير عند الحضور فحكمُه كحكم المشاهدة - .
وقال أبو العباس بن عطاء : إذا كشفت الربوبية فصاحبُهُ يتنفس نفساً يخرج عنه ولا يعود أبداً .
وقال الجنيد : إذا عاين القدرة وتنفس صاحبه يُكره ذلك ، وإذا عاين العظمة نهى عن الغير ، وإذا عاين الهيبة فتنفس فقد لغى . وقال جعفر بن محمد الصادق : التنفس بالهَيبة يُبطل عمل الثقلين .
** ** **
1 - السر : السر جمعه أسرار . والسر ما خفي عن الخلق فلا يعلم به إلا الحق سبحانه وتعالى . ولقد قيل : إذا أطلعك الله تعالى على سر فلا تخبر به أحداً ، ويطلق السر على ما يكون مصونا مكتوما بين العبد والحق سبحانه وتعالى في الأحوال .
2 - التوحيد : التوحيد أول دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وأول منازل الطريق ، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله عز وجل .
3 - النَّفَس : النفس هو ترويح القلب بلطائف الغيوب ، وصاحب الأنفاس أرقى وأصفى من صاحب الأحوال . فإن كان صاحب الوقت مبتدئا فإن صاحب الأنفاس منتهياً . فالنفَس عبارة عن دقيقة من الزمان قدر ما يخرج النفس ويرجع . وهو أوسع من الطرفة ، والطرفة أوسع من اللحظة ، وهي رمق البصر .
ولقد قيل : الأوقات لأصحاب القلوب ، والأحوال لأرباب الأحوال ، والأنفاس لأهل السرائر . كما قيل : إن النفَس ريح يسلطها الله تعالى على نار القلب ليطفئ شرورها.
4 - الولاية : تعد الولاية من أول وأهم المراتب التي ينالها الواصل ، فالولاية هي القربة من الله تعالى وهي تأتي من الله بالاجتباء والتفضيل. ويطلق الصوفية أسم : "الولي" على الرجل الذي وصل إلى مقام الفناء عن ذاته وإرادته وبقي بالإرادة الإلهية .
5 - النّفَسُ الرحمانيُّ - في مصطلح الصوفية - ﻫﻮ اﻟﻮﺟﻮد اﻹﺿﺎﻓﻲ اﻟﻮﺣﺪاﻧﻲ ﺑﺤﻘﻴﻘﺘﻪ اﻟﻤﺘﻜﺜﺮ ﺑﺼﻮر اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ اﻟﺘﻲ هي الأعيانُ وأحوالها في الحضرة الواحديّة وقد سمّي به : تشبيهاٌ بنفَس الإنسان المختلف بصورة الحروف مع كونه هواء ساذجاً في نفسه ، ونظراً إلى الغاية التي هي ترويح الأسماء الداخلة تحت حيطةِ اسم "الرحمن" عن كَرْبِها .
6 - العرش : هو مظهر العظمة ، ومكان التجلي ، وخصوصية الذات .
ويسمى جسم الحضرة ومكانها لكنه المكان المنزه عن الجهات الست .
ويقال : العرش الأكبر عند الصوفية هو قلب الإنسان الكامل.
7 - المشاهدة : تطلق على رؤية الأشياء بدلائل التوحيد ، وتطلق بإزاء رؤية الحق في الأشياء ، وتطلق بإزاء حقيقة اليقين من غير شك .
8 - المكاشفة : الكشف في اللغة إنما يعني رفع الحجاب ، وفي الاصطلاح : هو الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية ، والأمور الحقيقية وجوداً وشهوداً. وقد ذكر الطوسي في "اللمع" : أن الكشف بيان ما يستتر على الفهم فيكشف عنه للعبد كأنه رأي العين .
9 - المعاينة : تأتي المعاينة بعد المشاهدة . قيل : المعاينة إنما تكون معاينة الأبصار : ومعاينة عين القلب ، ومعاينة عين الروح ، وهي التي تعاين الحق عياناً محضاً .
ولقد قيل : فناء العيان في المعاين : فالعيان فوق المعرفة ، فإن المعرفة مرتبة فوق العلم ودون العيان ، فإذا انتقل من المعرفة إلى العيان فنى عيانه في معاينة ، كما فنيت معرفته في معروفه .
10- المسابقة : لفظ من ألفاظ القرآن الكريم ورد في قوله تعالى :" سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚوَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ". والسابقون قد أقبلوا على الله متوجهين إليه ، طالبين الوصول إلى معرفته .
11- المحادثة : هي خطاب الحق للعبد في صورة من عالم الملك ، كالنداء لموسى عليه السلام من الشجرة . وقد قيل : المحادثة هي المكالمة القلبية بمعنى الفكرة والجولان في عظمة الجبروت الإلهي ، وتكون محادثة السالك للحق في سره عن طريق مناجاته وسؤاله ، ويستجيب له الحق تعالى بمزيد إحسانه ومننه ، وإذا حادثه بدوام حضوره في سره ولبّه ، استجاب له الحق تعالى بإلقاء العلوم والأسرار والحكم في قلبه .
12- الخطرات : مفردها الخطرة ، وهي داعية تدعو العبد إلى ربه بحيث لا يتمالك دفعها . ولقد قيل : الخطرات ما يخطر على القلب من أحكام الطريقة .
13 - الإشارات : مفردها الإشارة ، وهي ما يخفى على المتكلم كشفه بالعبارة للطافة معناه .