أن أول علم يلزم الصوفي هو معرفة النفس بغية التمييز بين الخواطر التي مصدرها الإلهام وبين الوساوس و الهواجس، و أيضا لغرض التمكن من قهر النفس و أبعاد تأثيرها و سطوها على حياة السالك. و لذلك قالوا: أن أول ما يلزم السالك: (علم آفات النفس، و معرفتها، ورياضتها، وتهذيب أخلاقها... ) ، و من هنا كثرة التعاريف الأخلاقية للتصوف، حتى يتراءى للسامع من تردد المعنى الأخلاقي كأن التصوف هو الخلق... و أدوات السالك لقطع الطريق كثيرة، ولكن الغزالي يوجزها – بالإضافة للذكر- في { الخلوة، و الصمت، و الجوع، و السه } ، يشير الغزالي إلى العوائد المعرفية و الذوقية لهذه الأساليب الزهدية فهي تزيد مرآة القلب جلاء و صفاء، وتعمل على تنقية القلب و تهيئته محلا لانعكاس أنوار المعارف. و لكن أهم الأساليب إطلاقا هو {الذكر} الذي أحالوه "من طريقتهم أعظم محل" و هو يستلزم حشدا تاما لجميع القوى وتركيزها في {الذكر} مع اجتناب أفكار العقل و تساؤلاته- ليصل الذاكر في استغراقه حد الغيبة عن الإحساس بالأشياء، و من هنا قرر الغزالي أن {الذكر باب الكشف} ،وهذا ما قصده الجنيد لما سألوه عن مصدر علمه فأجاب: { من جلوسي بين يدي االله ثلاثين سنة تحت تلك الدرجة، و أومأ إلى درجة في داره}، وهذا ما دفع الدكتور عفيفي و غيره من الباحثين ليقرروا، أن الذكر "وسيلة لاستثارة حالة الوجد و حصول الإشراق".
و إلى جانب {الذكر} عرف المتصوفة السماع وسيلة لاستحضار حالة الوجد ، وبعض آراءهم في السماع توضح علاقته بالمعارف الإلهامية، و ذلك لأن السماع يربط الروح بالعالم الأصلي الذي أتت منه، ويوقظ في الروح ذكرى ألست بربكم.
لا يمكن القول أن المعرفة الصوفية نتاج آلي أو تراكم جمعي للطريق الصوفي، فهي لا تقوم بالنسبة للطريق مقام النتائج بالنسبة للمقدمات في المنطق، إذ أنها في الأصل معرفة الهامية و مواهب، و الطريق من حيث هو وسيلة فهو يعمل على تنقية القلب و صفائه من خلال تصفية النفس و المشاهدة و المراقبة ، لتبقى المعرفة أولا و آخرا عطاء ربانيا خالصا. إن الطريق-كما يوجزه الغزالي – يعود إلى تطهير محض من جانبك و تصفية و جلاء، ثم استعداد و انتظار فقط .
إذن وظيفة الطريق الصوفي هي إعداد قلب السالك و روحه ليكون محلا للمعارف الكشفية و الإلهامية التي لا يحصل عليها بدراسة الكتب والتعلم. و المعرفة هي غاية الطريق و الهدف منه و لكن السالك قد لا يصل إلى غاية الطريق البتة، لأن الوصول إلى االله أمر لا ينال بالكسب بل هو هبة يهبها االله- سبحانه- لمن يشاء.
و إذا كان الطريق لا يفضي- حتما- إلى المعرفة، إلا أن الحصول على المعرفة يستلزم- ضرورة- سلوك طريق التطهر فعلى قدر التجرد و مقاومة الحس و شواغله يكون صفاء الإدراك و قوة الإشراق، و هنا أصبح إتباع نظم السالكين و أهل الطريق و المشاهدة الصوفية ضرورة لازمة لقنص لوائح المعرفة وبارقات الفيض الإلهي.
وهكذا ينتهي الطريق الذي بدأ بالتوبة إلى المشاهدة و الكشف حيث يتأحد "يتوحد" الصوفي و يفنى عن الإحساس بنفسه و بعالم الأشياء الزائلة و تلغي قسمة الذات و الموضوعة في المعارف العقلية و الحسية. فالصوفية سلكوا طريقهم «رياضة لنفوسهم، حتى أخرجوها عن المعلومات، و حملوها على مفارقة المعارف، كي يعيشوا مع الله بلا علاقة "علائق" و لا واسطة».