ومنها : فالخصيم النفساني والشيطاني - لعنه الله - كلاهما لا يتسلط علينا من جهة من الجهات، كما يتسلط علينا من جهة أمر الرزق، وقد أقسم لنا ربنا بنفسه في كتابه أنه الحق : {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}وفيه أيضاً :{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} وفيه آيات كثيرة في هذا المعنى.
وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث كثيرة.
وقد قال ولي الله تعالى الكبير سيدي أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه : "عليّ أن أعبُده كما أمَرني، وعليه أن يَرزُقني كما وعَدَني". إلى غير ذلك.
وما ذكرت لك هذا إلاّ خوفا عليك أن يصيبك مثل ما أصاب جل الناس، لأني أرى كثيرهم لهم أسباب كثيرة دينية ودنياوية، وهم يخافون الفقر أشد الخوف، فلو علموا ما في الاشتغال بالله من الخيرات لتركوا الأسباب الدنياوية بالكلية، واشتغلوا به، أي بأمره، وحيث جهلوا ولم يعلموا، فبعدما جمعوا بين السببين الديني والدنياوي لم تسكن روعتهم من خوف الفقر، ولا من خوف الخلق، وهذه غفلة عظيمة، وحالة ذميمة، وعليها أكثر الناس، بل كاد أن يكون عليها جميعهم - والعياذ بالله -، فاحذر يا أخي منها، واجعل كلِيَتَك عند ربك ترى عجباً، ولا تجعلها عند الدنيا كالناس لئلا يصيبك ما أصابهم. والله لو كانت قلوبنا عند ربنا حتى تأتينا الدنيا إلى داخل دارنا، فأحرى خارجها، إذ قال لها مولانا سبحانه :{يا دنياي اخدمي من حدمَني وأتعِبي مَن خَدمَك}.
والله لو كنا لربنا حتى يكون الكون وما فيه لنا كما كان لغيرنا، إذ جعله سبحانه خادماً لنا كما جعلنا خادماً له سبحانه، فإذا بنا قد بدلنا سيدنا ومولانا سبحانه بمن نحن أسياده ومواليه ولم نستح، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والأسباب الدينية هي التي ينبغي الاعتناء بها في كل زمان، وفي هذا الزمان أحرى وأحرى، لأن الدينية بلا دنياوية كأنها لم تكن، وقد كانت والله، وما هي الآن كائنة، والله على ما نقول وكيل.
ونرى - والله أعلم - أنه لا يقدر واحد أن يقول لجل صلحاء الزمان : قَلِّلُوا مِن الأسباب الدنياوية، وأَكثروا من الأسباب الأخراوية، والله ينُوب عليكم كما نَابَ عن غيركم، فلا يقبل منك اليوم قط، والله أعلم إلا إن قلت احرث، واكسب ، واتّجر، وهكذا. وأما إن قلت : اترك وازهد واتبع، فقد قلّ من يسمع ذلك من خاصة أهل الوقت، فأحرى عامتهم.
واسمع ما قال ولي الله تعالى سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه : "للناس أسباب وسببنا نحن الإيمان والتقوى، قال الله تعالى :{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}.
وقال مرة أخرى : للناس أسباب، وسببنا {الله} ، والسلام.