{الحق تعالى مطّلع على السرائر والظواهر في كل نَفَس وحال ، فأينما قلب رآه موثراً له حفظه من طوارق المحن ومعضلات الفتن}.
هذه الحكمة هي قط دائرة أهل الطريق، وخلاصة المعنى الذي يحوم حول حماه أهل التحقيق، وهو مقام المراقبة مقام الإحسان، مقام من يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فيعلم أن الله يراه في سائر الأحيان، مقام من لحمه ودمه معنى قوله تعالى :{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} .
واشتعلت فَتيلة سراج قلبه بنار معنى قوله تعالى :{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}. فصارت الخلوة والجلوة بالنسبة إليه سواء، فلم يشهد بظاهره وباطنه إلا مولاه ، ولم يتوجه في قضاء حوائجه إلاّ إلى الله، ينشد لسان حاله في غدوه وآصاله.
والحاصل أن لبَّ الطريق أن يعلم السالك أن الحق سبحانه وتعالى مطّلع على سرائره وظواهره في كل نفس وحال، فإن خطرت له خطرة نفسية أو شيطانية؛ قال لنفسه : إنّ الحق مطّلع على هذه الخطرة.
أيتها النفس : أيهما أحبُّ إليك إيثار الحق واتِّباعه فيما أمر ونهى، أو اتباع مرادك ؟ فمن ساعدته العناية، وأمدَّه التوفيق آثر الحق تعالى بقلبه على نفسه، وأعرض عن تلك الخطرة حتى جعلها معدومة كأمسه.
فمن رآه الحق سبحانه وتعالى مؤثراً له هذا الإيثار؛ حفظه من طوارق المحن، ومعضلات الفتن، ويصير الحق تعالى محباًّ له، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي : {وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ}.
فمن كان الحق يا أخي سمعه وبصره ولسانه كيف يقع في طوارق المحن ؟ أم كيف تضلَّه الفتن ؟
فاجتهد يا أخي في تصحيح هذا المعنى واغسل السوء من القلب؛ لترقى إلى هذا المعنى ما صلحت ما دامت فيك بقية لسواه، فإذا حوَّلت السوى أغنيناك عنك، وصلحت لما، وأودعناك سرنا.
وما أحسن ما كان ينشده كثيراً العارف بالله أبو العباس المرسي رضي الله عنه :
لستُ من جملةِ المحبِّينَ إذا لمْ