بيان الحجب الظّلمانية والنّورانية
وسبب إعماه ظلمات الحجب والغفلة والنسيان بسبب بُعد العهد من ربَه .
وسبب الغفلة : الجهل من حقيقة الأمر الإلهي .
وسبب الجهل : استيلاء الصّفات الظّلمانية عليه كالكبر والحقد والحسد والبخل والعُجب والغيبة والنّميمة والكذب ونحو ذلك من الذّمائم . وسبب تنزّله إلى أسفل السّافلين هذه الصفات .
وإزالة هذه الصفات الذّمائم بتصقيل مرآة القلب بمصقل التّوحيد وبالعلم والعمل والمجاهدة القويّة باطناً وظاهراً ، فتحصل حياة القلب بنور الأسماء والصّفات فيذكر وطنه الأصلّي فيشتاق إليه فيرجع ويصل بعناية الرّحمن .
وبعد ارتفاع هذه الحجب الظّلمانيّة تبقى النّورانيّة ، ويصير بصيراً ببصيرة الرّوح، ومنوراً بنور الأسماء والصّفات حتى ترتفع الحجب النّورانيّة تدريجاً ، فينوّر بنور الذّات.
واعلم أنّ للقلب في الباطن عينين : عين الصّغرى ، وعين الكبرى.
فعين الصّغرى : تشاهد تجلّيات الصّفات بنور الأسماء والصّفات إلى أنتهاء عالم الدّرجات .
وعين الكبرى : تشاهد تجلّي أنوار الذّات في عالم اللاهوت ، وهو القربة بنور التوحيد الأحديّة . وحصول هذه المراتب للإنسان بالموت ، وقبل الموت بالفناء من البشريّة النّفسانّية ، ووصول العبد إلى ذلك العالم بقدر الانقطاع من البشريّة النّفسانيّة .
وليس معنى الوصول إلى الله تعالى من قبيل وصول الجسم إلى الجسم ، ولا العلم بالمعلوم، ولا العقل بالمعقول ، ولا الوهم بالموهوم . فمعنى الوصول : بقدر الانقطاع عن غيره بلا قرب ولا بعد ولا جهة ولا مقابلة ولا اتصال ولا انفصال . فسبحان من في ظهوره وخفاءه وتجلّيه واستتاره وفي معرفته حكمة عظيمة .