سُئِل سِكّيرٌ نشوان يوماً وقد لعبت بعطْفيه الشَّمُولُ ما الخمر ؟ فاجابَ : ويحكم وهل في الخمر غير النَّشوة ؟!
لذا كلما هتفتُ بالقلم أنْ يحومَ حول حمى التصوّف صاحَ بي : أَقْصِرْ ، وكلّما حاول الفِكرُ النَّظر في معانيه ، والتّأمُّل في أسراره ، تَأبَّى البيان وقال له : أَمسِك .
وقد حق لليَراع أن يقف أمام جلال هذا الموضوع حائراً وجلاً لا يتقدّم و لا يتأخّر ، فالتصوف ليس فكرة فلسفية كسلى كسائر الفكر المنطقية المجرَّدة تُحدُُّ و تُضبطُ و تُعرَّفُ ، ثم تغفو باسترخاء على سُرَرِ السُّطور و ارائك المكتبات !
بل هو فكرةٌ نشطة ثائرة ، هبطت من عليائها الى ميدان الحياة التثقَّف السُّلوك و تهذِّب الخُلق . فاذا أَذعن لها القلب سكبت فيه نشوةً ولذاذةً أُترعت كؤوسها من كوثر العرش، و أَنهار الجنان !
فقد جلَّ التصوُّف أن يكون فكرةً تحفظها الواعية ، و يلوكُها اللِّسان ، وسما أَن يكون عِلماً تحتويه الأَسفار ، أو مذهباً تعتنقه الألباب !
فهو ليس في حقيقته إلاّ رياضةً ومجاهدة ، أمّا ثمرتُهُ اليانعة المُشتهاة فقد تأبَّت أن تُجنى إلاّ بعد هذه الرياضة وتيك المجاهدة .
و ليس للتصوف في شرعتنا السمحة إلا مفهوماً واحداً ثابتاً راسخاً مستمدّاً من أُصول العقيدة و مشكاة النبوة ، أَلا و هو : ( إخراج الدنيا من القلب لا من أصابع الكف )
ذاكم التصوف الّذي حدّثتُكم عنه ، اجتدبه الجانب الرّوحي في الإسلام ، فطاف حوله ، وحوّم فوقه ، وقصرَ نفسَه عليه .
ذلك هو التصوف يا أُخَيَّ الَّذي شَنَّفتُ آذانَكَ بسماع خبره ، وأطلعتُك على حقيقة أَمره ، فهلُم"َ هلُمَّ يا صاحِ إلى حانة الهوى ، وفِسطاط الإيمان ن نسهر معاً مع السُّمّار تحت جنحِ اللّيل في اللَّيالي والأسحار .
فثمَّة نورٌ لمّاح يخطف الأبصار ، ويملأ الحانَ من مشكاة الرحمان ، ونفحاتٌ سماويّة تهبُّ عليه رخيَّة نديَّة ، معطَّرةَ الأَردان بأنفاسِ الحور وأريج الجنان ، مخضلة الأذيال ببَرْدِ الكوثر وأَنهار السَّماء .
فطوبى لمَن كان هذا مقامُه ، وفي تلك الأَيكة مَعْرسُه وأحلامُه !