الحياء :
الحياء على الوصف العام، والوصف الخاص. فأما الوصف العام: فما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ». قالوا: إِنَّا نَسْتَحْيِي يا رسول الله، قال: «لَيْسَ ذلك، وَلَكِنَّ من استحيا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ فليحفظ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وليذكر الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ». وهذا الحياء من المقامات.
وأما الحياء الخاص فمن الأحوال، وهو ما نقل عن عثمان رضى الله عنه أنه قال: إني لأغتسل في البيت المظلم فأنطوي حياءً من الله.
قال سري: احفظ عني ما أقول لك، إن الحياء والأنس يطوفان بالقلب، فإذا وجدا فيه الزهد والورع حطَّا وإلا رحلا، والحياء إطراق الروح إجلالًا لعظيم الجلال، والأنس التذاذ الروح بكمال الجمال، فإذا اجتمعا فهو الغاية في المنى، والنهاية في العطاء.
قال بعض الحكماء: من تكلم في الحياء ولا يستحي من الله فيما يتكلم به فهو مستدرج.
وقال ذو النون : الحياء: وجود الهيبة في القلب مع حشمة ما سبق منك إلى ربك.
وقال ابن عطاء : والعلم الأكبر الهيبة والحياء، فإذا ذهب عنه الهيبة والحياء فلا خير فيه.
وقال أبو سليمان : إن العباد عملوا على أربع درجات؛ على الخوف والرجاء والتعظيم والحياء، وأشرفهم منزلة من عمل على الحياء، لَمَّا أيقن أن الله تعالى يراه على كل حال استحيا من حسناته أكثر مما استحيا العاصون من سيئاتهم.
وقال بعضهم : الغالب على قلوب المستحيين الإجلال والتعظيم دائمًا عند نظر الله إليهم.
الاتصال :
قال النوري : الاتصال: مكاشفات القلوب ومشاهدات الأسرار.
وقال بعضهم: الاتصال: وصول السر إلى مقام الذهول.
وقال بعضهم: الاتصال ألَّا يشهد العبد غير خالقه، ولا يتصل بسره خاطر لغير صانعه.
وقال سهل بن عبد الله: حُرِّكوا بالبلاء فتحركوا، ولو سكنوا اتصلوا.
وقال يحيى بن معاذ الرازي : العمال أربعة: تائب وزاهد ومشتاق وواصل؛ فالتائب: محجوب بتوبته، والزاهد: محجوب بزهده، والمشتاق: محجوب بحاله، والواصل: لا يحجبه عن الحق شيء.
وقال أبو سعيد القرشي : الواصل: الذي يصله الله، فلا يخشى عليه القطع أبدًا، والمتصل: الذي بجهده يتصل وكلما دنا انقطع، وكأن هذا الذي ذكره حال المريد والمراد؛ لكون أحدهما مباد بالكشوف، وكون الآخر مردود إلى الاجتهاد.
وقال أبو يزيد : الواصلون في ثلاثة أحرف همهم لله، وشغلهم في الله، ورجوعهم إلى الله.
وقال السياري: الوصول: مقام جليل، وذلك أن الله تعالى إذا أحب عبدًا أن يوصله اختصر عليه الطريق، وقرب إليه البعيد.
وقال الجنيد : الواصل: هو الحاصل عند ربه.
وقال رويم : أهل الوصول أوصل الله إليهم قلوبهم، فهم محفوظون القوى، ممنوعون من الخلق أبدًا.
وقال ذو النون : ما رجع من رجع إلا من الطريق، وما وصل إليه أحد فرجع عنه.
واعلم أن الاتصال والمواصلة أشار إليه الشيوخ، وكل من وصل إلى صفو اليقين بطريق الذوق والوجدان فهو من رتبة الوصول، ثم يتفاوتون فمنهم من يجد الله بطريق الأفعال وهو رتبة في التجلي، فيفنى فعله وفعل غيره لوقوفه مع فعل الله، ويخرج في هذه الحالة من التدبير والاختيار، وهذه رتبة في الوصول، ومنهم من يوقف في مقام الهيبة والأنس بما يكاشف قلبه به من مطالعة الجمال والجلال، وهذا تجلي طريق الصفات وهو رتبة في الوصول.
ومنهم من ترقى لمقام الفناء مشتملًا على باطنه أنوار اليقين والمشاهدة، مغيبًا في شهوده عن وجوده، وهذا ضرب من تجلي الذات لخواص المقربين، وهذا المقام رتبة في الوصول، وفوق هذا حق اليقين، ويكون ذلك في الدنيا للخواص لمح، وهو سريان نور المشاهدة في كلية العبد حتى يحظى به روحه وقلبه ونفسه حتى قالبه، وهذا من أعلى رتب الوصول فإذا تحققت الحقائق يعلم العبد مع هذه الأحوال الشريفة أنه بعد في أول المنزل، فأين الوصول؟ هيهات منازل طريق الوصول لا تقطع أبد الآباد في عمر الآخرة الأبدي، فكيف في العمر القصير الدنيوي؟.