آخر الأخبار

جاري التحميل ...

شرح تائية ابن الفارض الكبرى

شرح تائية ابن الفارض الكبرى (1)

شرح تائية ابن الفارض الكبرى
المؤلف : داود بن محمد بن محمود بن القيصري

سقتني حميَّا الحبِّ راحة َ مقلتي 
وكأسي محيَّا منْ عنِ الحسن جلَّتِ 

أي سقتني راحةُ إنسان عيني شرابُ المحبة، والحال أنّ كأس ذلك الشراب كان وجه من جلّت وتعالت عن الحسن.


فأوهمْتُ صَحبي أنّ شُرْبَ شَرَابهِم، 
بهِ سرَّ سرِّي في انتشائي بنظرة ِ

أي: أوهمت أهل الطريق والسلوك المشاهدين لجمال الصفات، و المتعلقين بحسن الأفعال والمظاهر دون الذات، بنظري معشوقهم الصوريّ، و محبوبهم الظاهريّ، أن بشرب شرابهم حصل لسري السرورُ حال كوني منتشيّا، فظنوا أن سرور روحي وانتشاء قلبي، حصل مما أدركوه ونظروا إليه من تجليات الصفات في مظاهر الذات، ومعاني الأفعال في صور الآثار، ولم يعلموا أني مستغرق بتجلي الذات مُهيم بجمالها مشغول بها عن غيرها.

وبالحدقِ استغنيتُ عنْ قدحي ومنْ 
شمائلها لا منْ شموليَ نشوتي

أي : وبعيني التي تشاهد جمال الذات في مظاهر الأسماء والصفات، استغنيت عن القدح الذي يشرب به الراح؛ ونشوتي وسكري إنما هو من شمائلها وجمالها، لا من الشمول الذي هو حُسن الصفات والآثار.

ففي حانِ سكري، حانَ شُكري لفتية ٍ،
بهمْ تمَّ لي كتمُ الهوى مع شهرتي

أي : إذا كان الأمر كذلك، حانَ أن أشكر في موضع سكري لفتية بسببهم تم لي كتمان الهوى أي كتماني الهوى مع شهرتي بالهوى بين الخلائق.

ولمَّا انقضى صحوي تقاضيتُ وصْلَها 
ولمْ يغْشَني، في بسْطِها، قَبضُ خَشيتي

أي : لما انقضى صحوي الأول وغلب عليّ السكر، حصل لي المباسطة مع المحبوبة فطلبت وصلها، والحال أنه لم يغشني في المباسطة معها قبض الخشية مع عظمتها وكبريائها.

وأبْثَثْتُها ما بي، ولم يكُ حاضِري
رقيبٌ لها حاظٍ بخلوة ِ جلوتي

أي : لمّا تقاضيت وصلها وأظهت لها ما حلّ بيّ من المحن والبلايا والآلام وأسقام العشق في الخلوة التي تجلّت فيها المحبوبة لي، والحال إنه لم يكن حاضراً عندي رقيب حظ، أي : رقيب هو بقاء حظي.

وقُلْتُ، وحالي بالصّبابَة ِ شاهدٌ،
ووجدي بها ماحِيَّ والفقدُ مُثَبّتي

أي : قلت والحالُ أن حالي شاهد بالصبابة، ووجدي للمحبوبة ونور جمالها يمحوني بسبب الصبابة، وفقدي إياها يثبتني.

هَبي، قبلَ يُفني الحُبُّ مِنّي بقِيّة ً
أراكَ بها، لي نظرَة َ المتَلَفّتِ

أي : قلت لها : هبي لي نظرة كنظرة المتلفت، قبل أن يفني الحب بقية مني أراك بتلك البقية.

ومِنّي على سَمعي بلَنْ، إن منَعتِ أن
أراكِ فمنْ قبلي لغيريَ لذَّتِ

أي : وإن منعتني رؤيتك فمُنّي على سمعي، بقولك : "لن تراني"، فإن هذه الكلمة لذّتْ لغيري من قبلي.

فعندي لسكري فاقة ُ لإفاقة ٍ
لها كبِدي لولا الهوى لمْ تُفتّتِ

أي : ومُنّي علي سمعي بِلَنْ تراني، إن منعتني عن الرؤية، فإن عندي لأجل السكر الحاصل لي حاجة إلى إفاقة، ولولا هوى المحبوبة لم تتفتت كبدي لأجلها ولا حصل لي سكر يخرجني عن حالي ويحوجني إلى طلب الإفاقة مرة أخرى.

ولوْ أنَّ ما بي بالجبال وكانَ طورُ
سينا بها قبلَ التَّجلِّي لدُكَّتِ

أي : ولو حلّ بالجبال ما حلّ بي وكان معها طور سيناء، لدكّت تلك الجبال كلها قبل التجلي الإلهي للروح الموسوي.

هوى عبرة ٌ نمَّتْ بهِ وجوى ً نمتْ
به حرقٌ أدواؤها بي أودَتِ

أي : ما حلّ بي هوى نمت بها "به" عبرتي وجوى نمت به حرق المحبة والاشتياق، أدواء تلك الحرق وآلامه أهلكتني.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية