الإشارة : سر الخصوصية مستور بأوصاف البشرية ، ولا فرق بين خصوصية النبوة ، والولاية . سترها الحق تعالى غيرةً عليها أن يعرفها من لا يعرف قدرها؛ فلا يطلع عليها إلا من سبقت له من الله العناية ، وهبت عليه ريح الهداية . وفي الحِكَم : « سبحان من ستر سر الخصوصية بظهور وصف البشرية ، وظهر بعظمة الربوبية في إظهار العبودية ». وقال أيضاً : « سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه ، ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه » . قال في لطائف المنن : « فأولياء الله أهل كهف الإيواء ، فقليل من يعرفهم »، ولقد سمعت شيخنا أبا العباس المرسي رضي الله عنه يقول : « معرفة الولي أصعب من معرفة الله؛ فإن الله معروف بكماله وجماله ، وحتى متى تعرف مخلوقاً مثلك ، يأكل كما تأكل ، ويشرب كما تشرب؟ قال فيه : وإذا أراد الله أن يعرفك بولي من أوليائه طوى عنك وجود بشريته ، وأشهدك وجود خصوصيته ».
ومعنى « طوى عنك وجود بشريته » هو : عدم الوقوف مع أوصافها اللازمة للنقائص ، بل تنفذ منها إلى شهود خصوصيته ، التي هي محل الكمالات . فأوصاف البشرية الذاتية للبشر لا تزول عن الولي ، ولا عن النبي كالأكل والشرب ، والنوم والنكاح ، والضعف والفقر ، وغير ذلك من نعوت البشر؛ لأنها في حقهم رداء وصون لستر خصوصيتهم؛ صيانةً لها أن تتبدل بالإظهار ، وينادى عليها بلسان الاشتهار ، ولذلك اختفوا عن كثير من الخلق . وإلى هذا أشار في الحِكَم بقوله : لا يلزم من ثبوت الخصوصية عدم البشرية .
وقال صاحب كتاب ( أنوار القلوب ) : « لله سبحانه عباد ضنَّ بهم عن العامة ، وأظهرهم الخاصة ، فلا يعرفهم إلا شكل ، أو محب لهم ، ولله عباد ضنَّ بهم عن الخاصة والعامة ، ولله عباد يُظهرهم في البداية ويسترهم في النهاية ، ولله عباد يسترهم في البداية ويُظهرهم في النهاية ، ولله عباد لا يظهر حقيقة ما بينه وبينهم إلى الحفظة فمن سواهم ، حتى يلقوه بما أودعهم منه في قلوبهم ، وهم شهداء المكلوت الأعلى ، والصفْح الأيمنِ مِنَ العرش؛ الذين يتولى الله قبض أرواحهم بيده ، فتطيب اجسادهم به ، فلا يعدوا عليها الثرى ، حتى يُبعثوا بها مشرقةً بنور البقاء الأبد مع الباقي الأحد عز وجل ».
وقال أبو يزيد رضي الله عنه : « أولياء الله تعالى عرائس ، ولا يرى العرائس إلا من كان مَحرماً لهم ، وأما غيرهم فلا . وهم مخبؤون عنده في حجاب الأنس ، لا يراهم أحد في الدنيا ولا في الآخرة ». وجميع ما أجاب به الأنبياءُ قومَهم يجيب به الأولياءُ من أنكر عليهم ، من قوله : { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا } ، من التعلق بالأسباب والانهماك في الحظوظ ، ومتابعة الهوى ، وحب الدنيا ، ومن قولهم : { فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } إلى تمام ما أجابوا به . والله تعالى أعلم .
كيف اعرف شيخي
ردحذف