{ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً } [ المائدة : 48 ] .{ كَبُرَ على المشركين } أي : عظم وشقّ عليهم { ما تدعوهم إِليه } من التوحيد ، ورفض عبادة الأصنام ، الذي هو إقامة الدين ، { اللهُ يجتبي } أي : يجلب ويجمع { إِليه مَن يشاء } بالتوفيق والتسديد ، { ويهدي إِليه مَن يُنيبُ } ؛ يُقبل على طاعته . فالاجتباء يرجع إلى تصديق القلب ، والإنابة إلى توفيق الطاعة في الظاهر .
{ وما تَفرقوا } أي : أهل الكتاب من بعد أنبيائهم { إِلا مِن بعد ما جاءهم العلمُ } ؛ إلا بعد أن علموا أن الفُرقة ضلال ، وأمر متوعّد عليه على ألسنة الرسل ، { بغياً بينهم } حسداً ، وطلباً للرئاسة ، والاستطالة بغير حق ، أو : ما تفرّقوا في الدين الذي دُعوا إليه ، وهو الإسلام ، ولم يؤمنوا كما آمن بعضهم إلا مِن بعد ما جاءهم العلم بحقيقته؛ لما يشهدونه في رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن من دلائل الحقيّة ، حسبما وجدوه في كتبهم ، أو : العلم بمبعثه صلى الله عليه وسلم .
{ ولولا كلمةٌ سبقتْ من ربك } ، وهي العِدَة بتأخير العقوبة { إِلى أجلٍ مسمى } هو يوم القيامة { لقُضي بينهم } أي : لوقع القضاء بينهم ، وأهلكوا حين افترقوا لعظم ما اقترنوا . { وإِن الذين أُورثوا الكتاب مِن بعدهم } وهم المشركون { لفي شك منه } أي : القرآن { مُريبٍ } ؛ مُوقع في الريبة . وهو بيان لكيفية كفر المشركين ، بعد بيان كيفية كفر أهل الكتاب ، أي : وإن المشركين الذي أُوتوا القرآن من بعدهم ، أي : من بعد ما أورث أهل الكتاب كتابهم ، لفي شك من القرآن مريب . والظاهر : أن التفرُّق المذكور هنا إنما هو في شأن الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لأن سياق النظم إنما هو لبيان أحوال هذه الأمة ، وإنما ذكر مَن ذكر من الأنبياء عليهم السلام لتحقيق أن ما شرع لهؤلاء دين قديم ، أجمع عليه أولئك الأعلام عليهم الصلاة والسلام تأكيداً لوجوب إقامته ، وتشديداً للزجر عن التفرُّق والاختلاف . فالتعرُّض لبيان تفرُّق أممهم عنه ربما يُوهم الإخلال بذلك المرام . قاله أبو السعود .
يقول سيدي ابن عجيبة رضي الله عنه : الذي شرع الله من الدين لأقوياء عباده، ووصّى به خواص أنبيائه: أن يشاهدوه وحده في الباطن، ويقوموا برسم العبودية في الظاهر، وهذا هو إقامة الدين، الذي يجب الاتفاق عليه، لكن لا ينال هذا إلا بعد موت النفوس، وحط الرؤوس، وبذل الفلوس. ولذلك كَبُرَ على أهل الفَرْق، قال تعالى :{ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } ، فإذا وفق العبد لفعل ما تقدم، وسلك طريقه اجتباه ربه لحضرته، بعد أن هداه لسلوك طريقته. قال تعالى :{ الله يجتبي إليه مَن يشاء ويهدي إليه مَن ينيب } فالاجتباء جذب، والإنابة سلوك، الاجتباء للحقيقة، والإنابة للشريعة والطريقة. وقدّم الاجتباء على الاهتداء اهتماماً بأمره لأن الجذب عناية يختص به أهل الولاية، والإنابة هداية ينالها كل مَن تمسّك بالشريعة.
{ وما تَفرقوا } أي : أهل الكتاب من بعد أنبيائهم { إِلا مِن بعد ما جاءهم العلمُ } ؛ إلا بعد أن علموا أن الفُرقة ضلال ، وأمر متوعّد عليه على ألسنة الرسل ، { بغياً بينهم } حسداً ، وطلباً للرئاسة ، والاستطالة بغير حق ، أو : ما تفرّقوا في الدين الذي دُعوا إليه ، وهو الإسلام ، ولم يؤمنوا كما آمن بعضهم إلا مِن بعد ما جاءهم العلم بحقيقته؛ لما يشهدونه في رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن من دلائل الحقيّة ، حسبما وجدوه في كتبهم ، أو : العلم بمبعثه صلى الله عليه وسلم .
{ ولولا كلمةٌ سبقتْ من ربك } ، وهي العِدَة بتأخير العقوبة { إِلى أجلٍ مسمى } هو يوم القيامة { لقُضي بينهم } أي : لوقع القضاء بينهم ، وأهلكوا حين افترقوا لعظم ما اقترنوا . { وإِن الذين أُورثوا الكتاب مِن بعدهم } وهم المشركون { لفي شك منه } أي : القرآن { مُريبٍ } ؛ مُوقع في الريبة . وهو بيان لكيفية كفر المشركين ، بعد بيان كيفية كفر أهل الكتاب ، أي : وإن المشركين الذي أُوتوا القرآن من بعدهم ، أي : من بعد ما أورث أهل الكتاب كتابهم ، لفي شك من القرآن مريب . والظاهر : أن التفرُّق المذكور هنا إنما هو في شأن الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لأن سياق النظم إنما هو لبيان أحوال هذه الأمة ، وإنما ذكر مَن ذكر من الأنبياء عليهم السلام لتحقيق أن ما شرع لهؤلاء دين قديم ، أجمع عليه أولئك الأعلام عليهم الصلاة والسلام تأكيداً لوجوب إقامته ، وتشديداً للزجر عن التفرُّق والاختلاف . فالتعرُّض لبيان تفرُّق أممهم عنه ربما يُوهم الإخلال بذلك المرام . قاله أبو السعود .
الإشارة
يقول سيدي ابن عجيبة رضي الله عنه : الذي شرع الله من الدين لأقوياء عباده، ووصّى به خواص أنبيائه: أن يشاهدوه وحده في الباطن، ويقوموا برسم العبودية في الظاهر، وهذا هو إقامة الدين، الذي يجب الاتفاق عليه، لكن لا ينال هذا إلا بعد موت النفوس، وحط الرؤوس، وبذل الفلوس. ولذلك كَبُرَ على أهل الفَرْق، قال تعالى :{ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } ، فإذا وفق العبد لفعل ما تقدم، وسلك طريقه اجتباه ربه لحضرته، بعد أن هداه لسلوك طريقته. قال تعالى :{ الله يجتبي إليه مَن يشاء ويهدي إليه مَن ينيب } فالاجتباء جذب، والإنابة سلوك، الاجتباء للحقيقة، والإنابة للشريعة والطريقة. وقدّم الاجتباء على الاهتداء اهتماماً بأمره لأن الجذب عناية يختص به أهل الولاية، والإنابة هداية ينالها كل مَن تمسّك بالشريعة.
وحقيقة الجذب : شهود الخلق بلا خلق، وحقيقة السلوك المحض : شهود الخلق بلا حق، وحقيقة الجذب في السلوك : شهود الحق في قوالب الخلق، أو: شهود الخلق في مظهر الحق. فالناس ثلاثة : مجذوبون فقط، سالكون فقط، مجذبون سالكون، فالأولان لا يصلحان للتربية، والثالث هو الذي يصلح للتربية، وهو الذي يتقدمه السلوك، ثم يختطف إلى الحضرة في مقام الفناء، ثم يرجع إلى السلوك في مقام البقاء. وما وقع من التفرُّق والاختلاف في جانب النبوة، يقع في جانب الولاية، سُنَّة ماضية، فيجب على الداعي إلى الله أن يجهد نفسه في الدعاء إليه، ولا يبالي باختلافهم، كما قال تعالى: { فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ }.