آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تفسير قوله تعالى : وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ.

تفسير قوله تعالى : وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ.


{ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } * { فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

{ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَٱدَّرءْتُمْ } أي تخاصمتم وتدافعتم { فِيهَا وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ } مظهر { مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ } من أمرها وهذا اعتراض وهو أول القصة.

فَقُلْنَا { ٱضْرِبُوهُ } أي القتيل { بِبَعْضِهَا } فُضربَ بلسانها أو عَجْب ذنبها فحيي وقال قتلني فلان وفلان لابني عمه ومات فحُرِما الميراث وقتِلا، قال تعالى { كَذٰلِكَ } الإحياء { يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ } دلائل قدرته { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } تتدبرون فتعلمون أن القادر على إحياء نفس واحدة قادر على إحياء نفوس كثيرة فتؤمنون.

قال السلمي: إن الله أمَر بقتلِ حىَ لِيُحيى ميتهم أعلمك بذلك أنَّهُ لا يُحيى قَلبَكَ لأنوارِ المعرفة ولا لفهم الخِطابِ إلا بعدَ أن تقتلَ نفسكَ بالاجتهادِ والرياضات، فيبقى جسمكَ هيكلاً لا صفة له من صفاته ولا يؤثر عليه بقاءَ صُورتها شيئًا فتُحيى قلبكَ وتكونُ نَفسكَ رسماً لا حقيقة لها، وقلبُك حقيقةً ليس عليهِ أثر من المريبين.

وقال القشيري : أن من أراد حياة قلبه لا يصل إليه إلا بذبح نفسه؛ فمن ذبح نفسه بالمجاهدات حَيِيَ قلبُه بأنوار المشاهدات، وكذلك من أراد الله حياةَ ذِكْرِه في الأبدال أمات في الدنيا ذكره بالخمول.

يقول ابن عجيبة : الإشارة: إذا أمر الشيخ المريدين بذبح نفوسهم بخرق عوائدها، فمن تردد منهم في فعل ما تموت به نفسه، كان ذلك دليلاً على قلة صدقه وضعف نهايته، ومن بادر منها إلى قتلها دلّ على صدقه وفلاحه ونجح نهايته، فإذا ماتت النفس بالكلية حييت روحه بالمعرفة والمشاهدة الدائمة، فلا موت بعدها أبداً، قال تعالى : { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى }، وأما الموت الطبيعي فإنما هو انتقال من مقام إلى مقام، ومن وطن ضيق إلى وطن واسع.

والسيف الذي يُجْهز على النفس ويسرع قتلها هو الذل والفقر، فمن ذلّ نفسه بين أبناء جنسه، وخرق عوائد نفسه، وزهد في الدنيا، ماتت نفسه في طرفة عين، وحيِيَتْ روحه، وظفر بِقُرَّةِ العين، وهي معرفة مولاه، والغيبة عما سواه. وكمال الوقت في ذبح النفس أن تكون متوسطة بين الصغر والكبر، فإن الصغيرة جدّاً لا يؤمن عليها الرجوع، والكبيرة جدّاً قد يصعب عليها النزوع، كاملة الأوصاف بحسن الزهد والعفاف، تسر الناظرين لبهجة منظرها وحسن طلعتها، وكذلك من كان من أهل الشهود والنظرة، تَسْحَرُ مشاهدة القلوب، ويسوقها بسرعة إلى حضرة علام الغيوب، لما أقيم به من مشاهدته الملكوت، حتى إن من لاحظه تناسى أحوال البشرية، واستولت عيله أنوار الروحانية، وغابت في ذكر الحبيب عن البعيد والقريب، كما في الحديث: " أولياُء اللَّهِ مَنْ إذا رُؤوا ذُكر الله " ، وتكون أيضاً هذه النفس غير مذللة بطلب الدنيا والحرص عليها، مسلمة لا عيب فيها، ولا رِقَّ لشيء من الأثر عليها، فحينئذٍ تصلح للحضرة، وتتمتع بنعيم الشهود والنظرة، لم يبق لخصم الفَرْقِ معها تدارؤٌ ولا نزاع، بل أقر الخصم وارتفع النزاع.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية