خطاب العرفان ، خطاب لي ولك ولكل السائرين والسائلين والغرباء وأبناء السبيل ، خطاب يكشف لنا وبنا الجوهر الكامن في الإنسان ، والحقيقة الربانية المنطوية فيه و السارية في وجوده وملكوته ، وعن الحقيقة المحمدية سر حقيقته ووجوده وعرفانه ، حقيقة حقائقه بعالم الذر قبل عالم النسل ، يوم أمضى بقلم الإقرار للباري جل وعلا عهد وميثاق ( ألست بربكم ) ....
خطاب العرفان يكشف للإنسان من حيث هو إنسان ، حقيقة الفطرة التي ولد بها وولدت معه يوم حل ضيفا مباركا إلى هذا الوجود ، الذرة البيضاء التي تناديه من أعماق أعماقه وتطلبه في كل وقت وحين ، أن يقتفي أثرها ويشد الرحال إليها ، ويسري بليل إلى رحاب قدسها على براق من المحبة والشوق والتعظيم ، حيث ملتقى الأرواح ، ومجمع التائبين ، وديوان العارفين ...
حتى إذا حقق الوصل والوصال ، والجذب والفناء ، وصار هباءا في هباء ،عرج مع السفرة الكرام البررة إلى سدرة منتهاه ، فلكل عبد من العباد رحاب قدس ، وديوان محبة ، ومنتهى سدرة يخاطب فيها الحق ويخاطبه ، وحضرة قدس يجالس فيها ربه ويجالسه ، ومقام عرفان يذكر الله فيه ويذكره ، وسفر يصاحب فيه الله ويصاحبه ، وهو معكم أينما كنتم ، ونحن أقرب إليه منكم ولكنكم لا تبصرون....
رحاب قدس ، وديوان عرفان ، ومنتهى سدرة ، دونهم قطاع طريق من جنود اللذة والشهوة والظلم والطغيان والغفلة عن الله ، يقفون بمسرى العباد و سبيل الرشاد وبكل واد للفلاح والصلاح ، قد أقسموا بالله جهد أيمانهم وبعزة ربهم " لنغوينهم أجمعين " ، قد لبسوا لهم مسوح العباد والرهبان والزهاد ، يخاطبونهم بلسان المحبة والنصح والوداد ، أن لا يتركوا شجرة الأماني والآمال ، شجرة عهد الحق من قبل لآدم أنها شجرة الحرمان ، دون أن يحرمه حق التصرف و حق الاختيار ، حتى يكون أهلا للاستخلاف ...
ومناد الفطرة وداعي الحق في باطنه ليس له عليه سلطان ، يطلبه ويناديه أن يقصد حرم فطرته ويطَوف بكعبة أسراره و أنواره وحقائق فطرته ، ليبصر العالم بصفائها وبهاءها وجمالها ، ويعتصم بعروتها الوثقى التي لا انفصام لها ، فيعتق رقبته ويقتحم العقبة إلى سيد ومولاه ، ويقتل نفسه بين يديه ، حتى إذا ما أماته وأحياه ، وأفناه وأبقاه ، بعثه ثانية مولودا جديدا ، حنيفا مسلما بفطرته التي فطر الناس عليها ، يشهد بمولده الجديد أنوارا ساطعة تبدد ليالي ضنكه وحرمانه وعذابه ، حتى إذا أشرقت شمس فطرته وعرفانه ، وعسعس ليل هواه و لهوه وغفلاته ، وأقبل عليه صبح لم يشهد له فيه ربا سواه ، ولا معبودا ولا محبوبا ولا مطلوبا ولا مقصودا غيره ، آتاه سيده ومولاه الحكمة وفصل الخطاب ، والإنجيل والتوراة والقرآن ، وناداه مناد الحق بالحق من جانب الحق أن " أقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ".
حينئذ ينقلب بالحقيقة الأحمدية السارية في وجوده وملكوته سراجا منيرا ، ونفسا مطمئنة راضية مرضية ، ينقلب إلى أهله عنوان حب وعشق وهيام ، وروحا طيبة ، وبلسما شافيا ، وكلمة طيبة تمشي بين الكائنات وسائر المخلوقات ، هدية وهداية ورحمة في العالمين للسائلين والحائرين والغرباء وأبناء السبيل ، وصراطا مستقيما للقاصدين والطالبين ، وبغية للمريدين السائرين ، وتحفة للسالكين العارفين ، يضيء لهم السبيل ، وينير لهم الطريق ، ويسري بهم إلى رحاب قدسهم ، ويعرج بهم إلى منتهى سدرة المعرفة بربهم ، على براق ينتظر كل سالك وطالب وقاصد ، هو براق المحبة والشوق والعرفان .......