يلخص سيدي حمزة القادري البودشيشي رضي الله عنه دلالة التصوف في كونه :
{ أخلاقا وأذواقا وأشوقا .. }.
فالتصوف أخلاق تجعل الفقير :
يتحمل أذى الخلق ..
ينحاز إلى الإيثار بتفضيل غيره على نفسه في استحقاقات مادية او معنوية؛ مصداقا لقوله تعالى في سورة الحشر واصفاً الأنصار : { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ }.
ينافح عن المساواة والتسوية..
ويميل إلى التجاوز والعفو..
يقابل السيئة بالحسنة..
ينآى عن التعسف..
لا يركب التكلف..
لا يغرق في المجادلة.. باعتبارها مخاصمة أو استعمال استدلالات مموهة وحجج سوفسطائية أو مراء أو لجاجة أو دفاعا عن الباطل.
وكل هذا مذموم ومنهي عنه .. قال تعالى في سورة غافر : { مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ }.
لا يغضب فيميل إلى الاعتداء استجابة لانفعاله ..
يخالف نفسه لأن هذه المخالفة هي رأس العبادة ..
يلتزم بالإنفاق من غير إقتار وتضييق عيش .. وبالقناعة باليسير من الدنيا ..
يعتمد الرفق والحلم والتودد والتآلف وشكر المحسن على الإحسان والدعاء له. وغير ذلك كثير..
والتصوف أذواق :
لأن الأذواق أنوار عرفانية يقذفها الحق سبحانه في قلوب أوليائه من غير ان ينقلوا ذلك من كتاب أو مدونات..
والذوق هو العرفان، والعرفان هو العلم بأسرار الحقائق الدينية؛ وهو أرقى من العلم الذي يحصل لأهل الظاهر، إذ الذوق معرفة بالله معرفة قائمة على الكشف والشهود.
ووسيلته ليس العقل؛ لأن العقل منطق أو طاغوت أخرق والعلوم الذوقية هي علوم أهل الله المتعلقة بالأحوال مثل الشرب والرَّي والمشاهدة والمكاشفة والمحاضرة، وهذه الأحوال لا منطق لها؛ لأن مدارها القلب، وتحصيلها بالاجتهاد والعمل بالرياضات والمجاهدات والمكابدات والإخلاص لله تعالى والذكر الكثير، والذاكر المتذوق يكاشف ويشاهد ويراقب بالذوق والبصيرة وليس بالفكر والعقل؛ وفي هذا المعنى يقول سيدي حمزة القادري بودشيش رضي الله عنه : " الله يَفتَحْ البصيرة وينزَّلْ الفَهم ".
والتصوف أشواق :
والأشواق هيجان القلب عند ذكر المحبوب؛ والمحبوب هو الحقيقة الروحية التي هي ذات الحق سبحانه .. والمحبوب الأول هو الله، والمحبوب من الخلق هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ والمحبوب في قلب المحب كالفتيلة في المصباج.. من اشتاق إلى الله أنس إلى الله، ومن أنس طرب، ومن طرب وصل، ومن وصل اتصل، ومن اتصل طوبى له وحسن آب..
فانظر كيف يجلي شيخنا المربي الروحي سيدي حمزة رضي الله عنه (1) حقيقة التصوف من أعماقه الأخلاقية والعرفانية والوجدانية.
** ** **
1 - توفي قدس الله سره فجر اليوم الأربعاء19 ربيع الآخر 1438 (18 يناير 2017) بوجدة عن عمر يناهز 95 سنة..
كتاب : من أريج اتّصالي
د. عبد اللطيف شهبون