آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الروح الصوفي: جمالية الشيخ في زمن التيه

الروح الصوفي: جمالية الشيخ في زمن التيه

إن الإنسان على ما هو عليه من مرتبة فإنه بمستوى أسفل سافلين كما جاء في قوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) وذلك إنما جعل الحق تعالى هبوط النفس إلى هذا العالم الأسفل على معنى ابتلاء لها، فيكون مصيرها بعد هذا البلاء والاختبار إما بتحصيل الكمال بالمعرفة الموصلة إلى محبة الله تعالى والقرب منه فتحوز بذلك السعادة الأبدية، وأما أن تبقى في نزول دائم في مرتبة أسفل سافلين فتكسب الأخلاق الردية، وتنقاد للشهوات الطبيعة المبعدة من الله تعالى.


ويرى عبد الرحمن الأنصاري : أن كمال النفس هو عين سعادتها كما أن عدم كمالها البتة هو نفس شقاوتها، وإنما يكون كمالها ونقصانها في هذه الدار ما دامت مصاحبة لبدنها، فكمالها أن تصير بالرياضة بحيث تدرك المعارف الربانيّة بغير واسطة من العالم العلوين لا من خارج بطريق الحواسّ، وتنطبع بالفضائل من محبّة الحقّ ومعرفته، والشوق إلى جمال حضرته، فيصير لها ذلك خُلقا وعادة ونقصُها بضدّ ذلك، وذلك بأن لا تعرف الحقّ ولا تحبّه ولا تشتاق إليه وتصير لها الرذائل خُلُقا ثابتا، إذ خُلقَتْ مستعدّة للأمرين جميعا والبارئ تعالى ييسّر كلاًّ لما يريده منه من خيرٍ أو شرٍّ. ولا تتوهم أن النفس تستفيد بعد فراق الجسد كمالا ولا تقدر على تحصيله، وليس أيضا بين إدراكها للحقائق في الدنيا وإدراكها لذلك في الآخرة فرق، بل هذا هو عين هذا إلا زيادة كشف ووضوح كما بين تصور ذات الشيء في الخيال وبين رؤيته بالبصر.

ويرى نور الدين عبد الرحمن الجامي: أن أهل الكمال من المشايخ على قسمين: 
الأول منهم : هم الواصلون الكاملون من مقربو حضرة الجلال، وبعد أن ظهرت عليهم شروط الكمال لم يكلفهم الحق تعالى في مهمة تكميل الآخرين من المستعدين أو طالبي طريق الحقيقة، وهم المجاديب أو البهاليل الذين تجرعوا من شراب العشق والمحبة ما أفناهم عن ذواتهم، فغرقوا في بحر الجمع، وانخلعوا من ربقة العقل والعلم، وزالت عنهم أحكام الشريعة وىداب الطريقة : هم سكان قباب العزة، وقطان ديار الحيرة لم يعد فيهم وعي (أخد ما وهب فسقط ما وجب) بوجودهم فأنى لهم الانشغال بغيرهم.

أما القسم الثاني : هم الذين إذا فنوا عن ذواتهم، وأعادهم الله إليها تعالى تصرف الجمال الأزلي، ومنحهم النجاة من ذاك الاستغراق في عين الجمع، ولجة الفناء إلى ساحل التفرقة، وميدان البقاء، فعادوا إلى أحكام الشريعة، وآداب الطريقة، ومازجوا الشراب الزنجبيلي للجدبة، والمحبة بالزلال السلسبيلي للعلم والمعرفة، فنشأ عن امتزاج هذا الماء بخمر المحبة الكثير من حباب نجوم آثار المعارف والأسرار؛ فصار كل منهم نجم هداية للحائرين في ظلمة بيداء الضلالة والحيرة. وهم مشايخ الإرشاد والهداية، وهم الآحاد في كل زمان ومكان تكفلوا المستعدين بالتربية حتى يرتقوا بهم إلى أفق حقيقة نور الأنوارن، هناك حيث لا وجود للأثنينية، بل الوجود للواحد الحق.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية