اعلم أن السائر ما دام سائراً نفسه موجودة حية وحياتها هو ظهور أوصافها الخبيثة، تارة عند غلبة طبعها على طبع الروح ، والناس فيه مراتب :
فمنهم : من يكون وصفها هو الغالب عليه، وهذا أدناهم منزلة في القرب.
ومنهم : من يكون في أواسط الأمور، تارة يغلبها وتارة تغلبه.
ومنهم : من يكون غالباً عليها، وتسرقه تارة، فإذا أراد الرجوع إلى الحضرة اشتغل بفنائها بالعلم بالله حتى تضمحل وتزول ويرجع في الحال كأنه ما خطر بباله، بخلاف الواصل لا تظهر له صورة نفسه قط في حال ظهور وصف البشرية فيها، لأن ذلك صفة وصف البشرية لا وصفها حقيقة كما في غيره، بل هو منزه عن هذا بفنائه في محبوبه وذهاب توهم الغيرية بالكلية، بخلاف غيره، فافهم.
والفرق بين السائر وغير السائر: أن السائر ربما يقع منه الزلات والهفوات التي تقع من عامة الناس ، لكن لا يرضى عن نفسه ، ولا يحب ذلك بقلبه ، وينكسر عند ذلك حياء من ربه، وتصير نفسه عنده بمنزلة الكلب المهجور أو أشرّ منه، لأن الكلب يعلمُ هذا العاصي أنه لا يدخل النار، وهو يرى نفسه إذا لم يرحمه مولاه استحقّ النار بفعله، فإن حصلت منه التوبة النصوح وصحبه الندم والحزن والخوف والحياء والهيبة ولا يعود أبداً فهذا دليل على أن رحمة الله قد نزلت به. وهذا هو الرجوع إلى الله تعالى، وصاحبه مقبول. قال جلّ من قائل :( إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ) أي رجعوا إلى الله خائفين منكسرين حقيرين ذليلين طالبين العفو والغفرانن وهذا رجوع السائر.
ورجوع الواصل هو غيبته في شهود عظمة محبوبه حين الالتفات، لأن العارف لا يمكن أن يخطر بباله سواه سبحانه قط، وهذا هو الحفظ الكبير، ودونه هو انكساره وحياؤه وخوفه وندمه وتوبته إلى غير ذلك، وهو حفظ السائرين ولولا الحفظ من الله لقلوب أحبائه ما اتصفوا بذلك. والقلب الذي ليس بمحفوظ خراب وهو يفرح بالمعاصي والشهوات والعوائد.
فالحفظ الأول : حفظ الله لقلب أحبّئه وأصفيائه جعلنا الله تعالى وإخواننا منهم.
والحفظ الثاني : حفظ الملك الموكل بقلوب المؤمنين.
والحفظ الثالث : موكل به الشيطان والنفس والهوى، فالشيطان يزيّن والنفس تتبع والقلب يعشق، فصار القلب خراباً والنفس ظلمة، والسلام.
الآداب المرضية لسالك طريق الصوفية