أعذب مورد وردته عطاش العقول مورد الذكر والتوحيد، واطيب نسيم هب على مشام القلوب نسيم الانس بالله عز وجل، التلذذ بحلاوة مناجاة الله كؤوس راحات الارواح، وذكر الله تعالى جلاء رمد عيون العقول، ودرر حمد الله لا يرضع بها الا تيجان مفارق الاسرار، ومسك شكره لا يفتق الا في جيوب ثياب الأرواح، وورد الثناء عليه لا يتطلع الا على شجر ألسن عبادة المؤمنين، إن ذكرت ربك بألسن حسن صنعه فتح أقفال قلبك .
وإن ذكرته بألسن لطائف أسرار أمره فأنت ذاكر على الحقيقة، وإن ذكرته بقلبك قربك من جنات الرحمة. وإن ذكرته بسرك أدناك من مواطن القدس، وإن صدقته في حبه حملك بجناح لطفه الى مقعد صدق، وما أعرف قدر جلاله من فتر لحظة عن ذكره ولا لاحظ أزلية وحدانيته من التفت بعين سره إلى غيره.
الذكر روح جناب الرحمة يهب نسيمه على مشام أرواح الذاكرين، فتهتز من نشواته أعطاف الأرواح في أقفاص الأ،شباح فتقوم العقول راقصة في بساتين الصور وتخرج الأسرار هائمة في براري الوجد، وتنطق بلابل السكر بما في خبايا الضمائر، ويحترق المحب بنيران التلهف،، ويغيب المشتاق عن نظر ذاته لشدة التأسف ويقول لسان الواجد طربا بقرب الوجد :إني لأجد ريح يوسف، فتبرز مواشط القدم تجلو عرائس صفات المحبوب على أعين الألباب في قصور الأفكار، تحت قباب الأسرار، ثم يجلل عليها ستور الغيبة، فتحتجب برداء العظمة فرمدت عيون البصائر من حر يبس العشق ،وسقطت قوادم أقدام شوقها لطول سفرها في هجير براري الهجوم، فأرسل إليها سفير الكرم طبيب القدر فداوى رمدها بكحل بسم الله الرحمان الرحيم، فلما طلعت طلائع هذا الإسم في جبروت الجلال وسطعت سطوة العز تحت خفقات بنود الكبرياء بهتت عيون العقول، ودهشت نواظر الأفهام، ووقفت أطيار الأفكار وطمست سطور كتائب الكائنات وقال لسان هيبة الأحدية وخشعت الأصوات للرحمان، فتزلزلت جبال عصم الألباب ودكت ببهاء نور تجلي أرض نعوت البشرية، وقصت أجنحة الأرواح فلا مطار لها في فضاء علم التفريد وتيمت القلوب بأشواق عشقه وهامت الأسرار بوَله حبه، وتبلبلت الأفكار في براري بعده و قربه، فحكمت مبثوثة في كل ذات وآثار صنعه لائحة في كل مصنوع وعجائب قدرته ظاهرة في كل كائن وبراهين وحدانيته قائم على كل موجود وأنوار اقتداره باهرة لعين كل عقل، وألسن حسن صنعه تخاطب أهل الوجود بإشارات شواهد الهية قابل مرايا العقول بأشخاص بيان عجائبه وجلى على عيون قلوب عباده عرائس أسرار الغيب. ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير.
كتاب بهجة الاسرار ومعدن الانوار