أمل: الأمل هو تعلق الرجاء ببقاء الحال الحاصل من الخير المحصل، وباستدعاء مثله وأحسن منه، وانتظاره في الزمان المستقبل، كما نقول: نؤمل الآن البقاء في الدنيا وكسب الأموال فيها، أو نقول : الأمل : هو تعلق النفس بخيرٍ إمَّا حاصلاً تريد ثبوته، وإمّا مفقوداً تريد تحصيله أو مجموع ذلك.
أمل: الأمل ينقسم إلى قسمين: أمل يتعلق بالعالم، وأمل يتعلق بالله، فالأمل المتعلق بالعالم لا يحصل له مأمول؛ إذ العالم لا يفعل، فهو أملٌ مهدومٌ من حيث إن حقيقة تركيب الأمل هو نيل مطلوبه، فإذا لم ينل مطلوباً لا تركيب له، فهو مهدومٌ، والأمل المتعلق بالله ينال مطلوبه؛ لأن الله هو الفاعل المتصرف؛ فالأمل المتعلّق به غير مهدوم.
الأمل المهدوم : هو المتعلق بتدبير الجسم؛ لأن الجسم مركب من أضداد، ومن بسائط، وكل مركبٍ من أشياء كثيرة ينحل إليها، والجسم مركب من أشياء، فهو مهدوم، والأمل المتعلق بالمهدوم مهدوم، وبناء الجسم معلوم عادةً وطبيعةً وشرعاً، أما عادةً فظاهر لنا؛ لأنا وجدنا الأجسام تنحل وتذهب، وأما طبيعةً فهو ما ذكرنا من انحلال المركب من البسائط التي تركب منها، وأما شرعًا فقوله تعالى :(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ).
الأمل المهدوم : قال الشيخ: (وإياك من الأمل) هو نهي مطلق، فلما قال: المهدوم وقع النهي عن الدنيا، وبقي الأمل متعلقاً بالله وبالدار الآخرة، ثابتاً على أصله؛ وذلك أن الأمل المهدوم وهو تعلق الإرادة بالأمور الذاهبة المختلّة، وهي الدنيا ولواحقها.
ويُسمّى الأمل مهدوما لأجل ما هو متعلقه مهدوم وذاهب، وهذا من قبيل الشيء الذي يُسمّى باسم متعلّقة، كما تقول : همة خسيسة إذا كان متعلقها خسيساً.
ولما كانت الدنيا سريعة الانتقال، وقليلة الثبوت، ولذاتها تكون في وقت دون وقت، وما من لذة تتصور فيها، ولا خير ينتشى ويتركب، ويوجد في ساعة من الزمان إلا ويتحلل في الثاني، ويذهب ما ثبت منها، وينعدم ما بقي فيها، مثل لذة الجماع إنما هي زمان فرد ويدخله الألم؛ لأنه لذيذ وجيع، وكذلك الأكل وخيره، إنما هو في زمان مناولته فقط، وفي عقبه تذهب تلك اللذة، ويبقى الخبر يتلذذ بما يستقبل من مثله في وقتٍ آخر، وهذا خبرٌ وهميٌّ، فإنه يتلذّذ بشيءٍ غير موجود في الحال، وقد يُحال بينه وبين ما أمله من ذلك، ويأتيه ضده، ويسلب عنه هو، إما المرض أو بالقلة أو بالموت، وكذلك القول في اللباس يفنى مركبه، ويبلى جديده.
وبالجملة: نقمتها أكثر من نعمتها، وقبضها أكثر من بسطها، وتنقطع بالموت، ويذهب وجودها بالجملة، فهي معدومة بالضرورة، والأمل المتعلق بها مهدوم، والعاقل لا يتعلق بخيرٍ يعلم أنه يفقده، ويفصل عنه بالضرورة.