آخر الأخبار

جاري التحميل ...

وجوب الشيخ المربي وحسن الظن بالأحياء


اعلم يا فقير أن هذه الطريق التي هي طريق الصوفية وأهل الجادة المرضية طريق شديدة المسالك كثيرة المهالك لا يسلكها الإنسان وحده بل لا بدّ فيها من الرفيق الماهر بالطريق كي لا تأخدك اللصوص وتفترسك الذئاب، وكم من صاحب عقل أراد السلوك بعقله فضلّ عن طريق ربّه واختطفته أيدي المضلات وصار إلى واد المهلكات، عافانا الله.

وهذا الرفيق هو الشيخ المربّي الذي قيل فيه : "لولا المربّي ما عرفتُ ربّي"، ووجوده أعزُّ من الكبريت الأحمر لكونه مصوناً في سرادقات الحفظ وهي حُجب البشرية التي جعلها الحق صوان الروحانية. فمن أظفره الله به فليعلم أن الحق قد اعتنى به، وقد ظفرنا والحمد لله به مع قلة خير هذا الزمان. فإن لم تجده فأخ صالح يدلّك على طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ الداخل إلى هذه الطريقة يلزمه الاقتداء بأحوال شيخه أو أخيه الصالح، والشيخ الناصح يكون له الاقتداء بأحوال الرسول وأقواله وأفعاله، إذ من شأن المقتدى به أنه لا يدلّ إلاّ على الله حسبما تقتضيه النصيحة، و"من دلّك على الله فقد نصحك" كما أنّ "من دلّك على الدنيا فقد غشّك".

وإذا ظفرت بمن يسيّرك في الطريق فيلزمك شهوده في كل حال من من أحوالك حتى يكون فيه همّك همّاً واحداً كما قال الشيخ الشاذلي رضي الله عنه : "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت له: يا رسول الله، ما حقيقة المتابعة؟ فقال لي عليه السلام: رؤية المتبوع في كل شيء وعند كل شيء ومع كل شيء". وقال رضي الله عنه: "كل شيخ لم تصلك الفوائد منه من وراء حجاب فليس بشيخ، إنما الشيخ هو الذي يدلك على ربّك ويأمرك باتباع سنّة نبيّك، فذلك الشيخ الذي يُقتدى به بخلاف من يدلّك على حبّ الدنيا وحبّ الجاه والرياسة والرياء والسمعة والاشتغال بالبدعة وترك السنّة ومخالطة الأحداث وغير ذلك، فإن ذلك غشّ وخيانة عند المحقّقين".
فمثل هذا الرفيق لا بدّ منه وإن ظفرت به فلا بدّ من الآداب المذكورة، ولا تقل يا فقير كما يقول من حجّرالربوبية وفضلها : "إنّ هذه ضالة لا توجد". وهذا شيء سمعناه ببلاد سوس الأقصى وببلاد السودان وغير ذلك، فإن هذا محض تحكّم على الربوبية وتألّه، بل قل والله لو حصل الصدق منّا وتوجّهنا بالصدق إلى ربّنا في طلب الشيخ المربي لوجدناه في باب دارنا. ولكننا صدّنا عن شهوده سوء الظن والعياذ بالله، وصاحب هذه الخصلة لا ينجح ولو التقى بالقطب، لأن من شرط الانتفاع حُسن الظنّ.

وأقول : والله ما منعنا من الانتفاع بأبناء وقتنا إلا وجود المعاصرة التي تُظهر الولي الله في عالم البشرية، ولو رزقنا الله التعظيم لأبناء الوقت لانتفعنا بهم ولوجدنا فيهم رجالاً أفضل من المتقدّمين لأنّ المنح الإلهية إنما هي مواهب ربانية قد يدرك المتأخر ما لم يدركه المتقدّم، ولكننا اكتنفَنا وجود الجهل فلم ندر الفلك الليلي من الفلك النهاري.

وقد جرت سنّة الله في خلقه أنّ الناس لا يمدحون إلاّ من دخل قبره وفقدوا وجوده، أمّا الموجود بين أظهرهم الحامل لأثقالهم لا يعبؤون به ولا يبالون به، وذلك كله جهل كبير بالميّت والحيّ، ولو أنّ الميت رُدَّ وعاد إلى الوجود لنظروا إليه بالنظرة الأولى التي هي عين النقص. وهذا كله دليل على أنّهم ما حصّلوا على شيء. 

اللهم ارزقنا التعظيم لأبناء وقتنا حتى نستفيد منهم آمين. والسّلام.

بغية السالك وإرشاد الهالك

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية