في بيان صلاة الشريعة والطريقة
أما صلاة الشريعة : فقد علمت بهذه الآية :(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ.. ) والمراد منها أركان الجوارح الظّاهرة بحركة الجسمانيّة مثل القيام والقراءة والركوع والسّجود والقعود والصّوت والألفاظ؛ ولذلك جاء الفضل الجمع - يعني قال الله تعالى : ( حَافِظُوا .. ) -.
وأمّا صلاة الطّريقة : فهي صلاة القلب، وهي مؤبّدة فقد عُلمت بهذه الآية :(وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ) والمراد من الصلاة الوسطى صلاة القلب؛ لأنّ القلب خُلق في وسط الجسد بين اليمين والشّمال، وبين العلويّ والسّفليّ، وبين السّعادة والشّقاوة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : "القلبُ بينَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصابعِ الرّحمنِ يُقَلِّبُها كيْفَ يشَاءُ" والمراد من الأصبعين صفتي القهر والّلطف، لأن الله تعالى منزّه عن الأصابع فبدليل هذه الآية والحديث يُعلم أن الأصل صلاة القلب ، فإذا غفل عن صلاته فسدت صلاته وصلاة الجوارح كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "لا صَلاَةَ إلّا بِحُضُورِ القَلْبِ"؛لأن المصلّي يناجي ربّه ، ومحل المناجاة القلب، فإذا غفل القلب بطلت صلاته ونقضت صلاة الجوارح ؛ لأن القلب أصل والباقي تابع له كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم :" أَلاَ وَإِنَّ فِيالجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ ".
وصلاة الشّريعة : مؤقتة في كل يوم وليلة خمس مرات، والسُئّةُ أن يصلي هذه الصلاة في المسجد بالجماعة متوجهاً إلى الكعبة، وتابعاً بالإمام بلا رياء ولا سمعة.
وأمّا صلاة الطريقة : فهي مؤبدة في عمره، ومسجدها القلب، وجماعتها اجتماع قوى الباطن على الاشتغال بأسماء التوحيد بلسان الباطن، وإمامها الشوق في الفؤاد، وقبلتها الحضرة الأحديّة وجمال الصّمديّة وهي قبلة الحقيقة. والقلب والرّوح مشغول بهذه الصلاة على الدّوام، فالقلب لا يموت ولا ينام، وهو مشغول في النّوم واليقظة بحياة القلب بلا صوت ولا قيام، فهو مخاطب بقوله تعالى :"إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُّ"متابعاً لنبي صلى الله عليه وآله وسلّم.
قال في تفسير القاضي : في هذه الآية إشارة إلى حال العارف وانتقاله من حال الغيبة إلى الحضرة، فاستحقّ بمثل هذا الخطاب كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :"الأنبياءُ والأولياءُ يُصَلّونَ في قُبورِهِمْ كَما يُصلّون في بُيوتهِمْ" - أي : مشغولون بالله {ومناجاته لحياة} قلوبهم - فإذا اجتمعت صلاة الشّريعة والطّريقة ظاهراً وباطناً فقد تمّت الصلاة - يعني : تكون صلاته صلاة تامّة - وأجرها عظيم في القربة بالروحانيّة، والدّرجات بالجسمانيّة، فيكون هذا الرجل عابداً في الظّاهر وعارفاً في الباطن. وإذا لم تحصل صلاة الطّريقة بحياة القلب فهو ناقص وأجره يكون من الدّرجة لا من القربة.