آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الأولياء العارفون خلفاء الرسل

الأولياء العارفون خلفاء الرسل


{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }
الإشارة

كل زمان يبعث اللّهُ رُسلاً يدعون إلى الله، وهم الأولياء العارفون، خلفاء الرسل، بالبينات الواضحة على ولايتهم، لمَن سبقت له العناية، وأنزلنا معهم الكتاب، أي: الواردات الإلهية، والميزان، وهو إلهام اصطلاح التربية المناسبة لذلك الزمان، فيزن بها أحوالَ المريدين، ويعطي كل واحد ما يناسبه من الأوراد، والأعمال، والأحوال، ليقوم الناس في أنفسهم بالقسط، من غير إفراط ولا تفريط، وأنزلنا الحديد، إشارة إلى الجذب، الذي في قلوب العارفين، فيه بأس شديد، يذهب العقول، ومنافع للناس، لأنه هو النور الذي يمشي به الوليّ في الناس، إذ بذلك الجذب يجذب قلوبَ المريدين، ومَن لم يكن له ذلك الجذب، فلا يصلح للتربية لأنه ظاهري محض، ولا بُد لهذا الجذب أن يصحبه سلوك في الظاهر، وإلاَّ فلا يصلح أيضاً للتربية كالمصطلمين.

خصّ هذا النور بأوليائه لِيعلم مَن ينصُر دينَه وسنةَ رسوله منهم، بالغيب، أي: مع غيب المشيئة عنهم، فهم يجتهدون في نصر الدين، وينظرون ما يفعل الله، وما سبق به القدر، وأمّا أمر الربوبية فهم في مقام العيان منها، إنَّ الله قوي، يُقوي قلوب المتوجهين، عزيز يُعز من يجتهد في نصر الدين. ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم، خصّ هذين الرسولين لأنّ نوحاً عليه السلام كان في غاية القوة والشدة، وإبراهيم كان في غاية الليونة، وهكذا أولياء كل زمان، بعضهم يميل للقوة جدّاً، وبعضهم يميل للرطوبة، فإذا أراد الله أن يُظهر طريقةً أو مِلةً جعل فيها هذين الضدين، من الأولياء مَنْ يميل لليونة ومَنْ يميل للقوة، ليعتدل الأمر في الوجود، فإن انفرد صاحبُ القوة احترق الوجود، أو غرق، كما جرى في زمان نوح عليه السلام، حين انفرد بالقوة، وإن انفرد صاحب الليونة وقعت برودة في الدين، كما وقع في زمن إبراهيم عليه السلام إذ لم تكن أمته كثيرة، ولمّا اجتمعا في زمان موسى كثرت أتباعه لأنَّ موسى عليه السلام كان قوياً، وهارون كان ليناً، فكثرت أتباعه. وعظمت هذه المة المحمدية لدوام اجتماعهما في أمته، فكان عليه الصلاة والسلام سهلاً ليناً، وكان في مقابلته عمر من وزرائه قوياً صلباً في دين الله، ثم استخلف أبو بكر على قدم الرسول صلى الله عليه وسلم فقابله عمر رضي الله عنه، فلما استخلف عمر ولان قابله عليّ رضي الله عنه، وهكذا كل طائفة كثرت أتباعها تجد فيها هذين الضدين. سبحان المدبِّر الحكيم، الجامع للأضداد. وقوله تعالى: { وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفةً ورحمةً } هي صفة المريدين المتوجهين، ورهبانيةُ هذه الأمة: المساجد والزوايا، كما في الحديث. وليس من شأن العارفين الانفراد في الجبال والفيافي، إنما شأنهم خلط الناس وإرشادهم. قال الورتجبي: وصف الله تعالى هنا أهل السنة وأهل البدعة، أهل السنة: أهل الرحمة والرأفة، وأهل البدعة: أهل الرهبانية المبتدعة من أنفسهم. وصف الله قلوب المتمسكين بسنّة الأنبياء بالمودة والشفقة في دينه ومتابعة رسله، فتلك المودة من مودة الله إياهم، وتلك الرحمة من رحمة الله عليهم، حيث اختارهم في الأزل لأنهم خلفاء الأنبياء، وقادة الأمة، ووصف المتكلفين الذي ابتدعوا رهبانية من أنفسهم، مثل ترك أكل اللحم، والجلوس في الزوايا للأربعين، عن الإتيان إلى الجمعة والجماعات، لأجل قبول العامة، فإنهم ليسوا على الطريق المستقيم، بل هم يتبعون شياطينهم، الذي غوتهم في دينهم، بل زيّنوا في قلوبهم المحالات والمزخافات، وما كتبنا عليهم إلا ابتغاء رضوان الله، ورضوان الله هو في الشريعة والطريقة الأحمدية صلى الله عليه وسلم. هـ. وقوله: " الأربعين " كان العبّاد ينذرون خُلوة أربعين يوماً، فيتخلّفون عن الجمعة والجماعة، والأمر كما قيل: إذا ثبت عدالة المرء فليترك وما فعل، فهو أسلم. والله تعالى أعلم.

تفسير ابن عجيبة

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية