آخر الأخبار

جاري التحميل ...

كلمات سيدي عبد القادر الجيلاني في الحلاج والبسطامي


طلب ما هو أعز من وجود النار في قعور البحار، تلفت بعين عقله، فما شاهد سوى الآثار، فكر فلم يجد في الدارين سوى محبوبه، فطرب فقال بلسان سكر قلبه :"أنا الحقّ".

ترنم بلحن غير معهود من البشر، صفَّر في روضة الوجود، صفيراً لا يليق ببني آدم. لحَّن بصوته لحناً عرضه لحتفه.
ونودي في سره : يا حلاج، اعتقدت أن قوتك بك، قل الآن نيابة عن جميع العارفين، حسب الواجد إفراد الواحد. قل يا محمد أنت سلطان الحقيقة، أنت إنسان عين الوجود، على عتبة باب معرفتك تخضع أعناق العارفين، في حمى جلالتك، توضع جباه الخلائق أجمعين.

فقال له شرع سليمان الزمان : لم تكلمت بغير لغتك ، لم ترنمت بلحن غير معهود من مثلك ؟ ادخل الآن في قفص وجودك ، ارجع من طريق عزة القدم إلى مضيق ذِلّة الحدوث، قل بلسان اعترافك ، ليسمعك أرباب الدعاوى : حسب الموجود إفراد الواحد ، مناط حفظ الطريق، إقامة خدمة الشرع. 
وأبو يزيد دل بتصريحه على محبته ولا أنباء عن عشق، إنما كان عليه غبار تعب الطريق بعد تحكمه في غابة درجات النهايات، فقال سبحاني شكراص للوصول (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ).

وأيضاً الحلاج لما وصل إلى الباب و طرقه نودي : يا حلاج لا يدخل هذا الباب إلا من تجرد عن صفات البشرية ، و فني عن سمات الآدمية ، فمات حبّاً وذاب عشقا ، و سلم روحه لدى الباب، و جاد بنفسه عند الحجاب، فوقف في مقام الدهشة على أقدام الحيرة ، فلما أخرسه الفناء ، أنطقه السكر، فقال : أنا الحق، فأجابه حاجب الهيبة : اليوم قطع و قتل، وغدا قرب ووصل. 

فقال بلسان حاله : (فما غلت نظرة منهم بسفك دمي)فخرج له أبو يزيد من داخل الباب، وقد طاب منزله، واخضر مرتعه، وقد ضربت توبته بالقرب، بيد القدرة في ذلك الفناء، ونصبت سرادقات المشاهدة، بسابق العناية في ذلك الحمى، له لسانان ينطقان، ونوران ينطقان، ونوران يشرقان، لسان يطرق بطرب التمجيد، ولسان ينطق بحقائق التوحيد، فترنم لسان طربه تمجيده، فقال : ما نظرت إلى شيء إلاّ رأيت الله قبله، فأجابه لسان توحيده سبحاني، فصاح نور الوجدان أن القرب أفناني ثم أحياني. 

وأيضاً الحلاج لما هاجت بلابل أشواقه ، و اضطرمت نيران إحراقه، طلبَ الوصول فأُجلس على بساط الامتحان ، و قيل له : يا ابن منصور ، إن كنت صادقا أو محبا بائعا ، فابذل نفسك النفيسة، وروحك الشريفة في الفناء ، لتصل إلينا ، فقابل الأمر بالطاعة ، و قال : أنا الحق ، ليقبلَ في هذه الساعة " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ". 
وإبليس لما كان قوله : أنا عصيان ومخالفة للمراسم، قيل : اسجدوا، قال : أنا خير منه، فاستحقّ البعاد ألا يعلم من خلق.

وأيضاً الحلاج غلب على سويداء قلبه سكر المحبة ، و قهر سرّ سرائره سلطان العشق فقال من حيرة الطلب : أنا .. وإبليس دخلتْ نخوة الكبر في هامة همّته ، و جرت خزانة السر مع أنفاس نفسه، فقال : "أنا خير منه" فمن غلب عليه سكر حب مولاه ، جدير أن يُمنح بوصله وقربه، ومن نظر إلى نفسه بعين العجب، حقيق أن يقطع رأس كبره بسيف الطرد .
فقيل له : ما سر قول هذا أنا الحق، وما قول حقيقة ذلك سبحاني، فقال رضي الله عنه : ما أرى كفواً أجلو عليه هذه الأفكار، ولا أميناً أكشف له هذه الأسرار.

الحلاج قطع طريق العشق و أخذ جوهرة سرّ المحبة ، و أودعها في أخفى مكامن خزانة قلبه، مشيرا لحاله،  فلما قابل بصر بصيرته شعاع نور جمالها، عمي عن النظر إلى الموجودات ، فظنّ خلو المكان من الأعيان ، فاعترف بالأخذ، فاستحق قطع اليد و القتل !!
و حياتك من مَلك تلك الجوهرة لا يقنع إلاّ بأوفى درجات المحبة ، و هي : "الفناء"

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية