وبعد : فإنه لما أراد الله سبحانه وتعالى إيجادَ الخلق بتقديره، أبرز الحقيقة المحمديّة من الأنوار الصمديّة بتدبيره، وذلك لما سبق في علمه وتعنّ في مشيئته فأطْلع شمس الكمال المحمديّ سراجا منيرا، وأوجد الروح الأحمدي من فيض كمال وجوده إنسانا كبيرا.وخلق العوالمَ منه تفضيلا وتقديرا.
قال عليه الصلاة والسلام :(أنا من الله والمؤمنون مني)، أبدعه حقيقة كلية، وجعله نشأة أصلية، حيث لا أينَ ولا بين، فهو صلى الله عليه وسلم الجنس الغالي من جميع الأجناس، والأب الأكبر لجميع الموجودات والناس، وإن تأخرت طينته وظهور صورته العنصرية، فهو سر الحق، ونفوذ أمره في الخلق وهو أصل جميع الكائنات، عليه من ربه أفضل الصلاة والتحيات. كما ستسمعه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه، قال :(سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول شيء خلقه الله تعالى، فقال : هو نور نبيّك يا جابر) خلقه الله ثم خلق فيه كل خير، وخلق بعده كل شيء. وحين خلقه أقامَه قدّامه في مقام القرب اثنى عشر أف سنة، ثم جعله أربعة أقسام، فخلق العرش من قسم، والكرسي من قسم، وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم، وأقام القسم الرابع في مقام الحبّ اثنى عشر ألف سنة. ثم جعله أربعة أقسام، فخلق القلم من قسم، واللوح من قسم، والجنة من قسم، وأقام القسم الرابع في مقام الخوف اثنى عشر ألف سنة. ثم جعله أربعة أجزاء، فخلق الملائكة من جزء، وخلق الشمس من جزء، وخلق القمر من جزء والكواكب من جزء، وأقام الجزء الرابع في مقام الرجا اثنى عشر ألف سنة. ثم جعله أربعة أجزاء، فخلق القل من جزء، والحلم من جزء، والعصمة والتوفيق من جزء، وأقام الجزء الرابع في مقام الحياء اثنى عشر ألف سنة.
ثم نظر فرشح النور عرقا، فقطرت منه مائة ألف وعشرون ألف وأربعة آلاف قطرة من النور، فخلق الله من كل قطرة روح نبيّ أو رسول. ثم تنفّست أرواح الأنبياء، فخلق الله من أنفاسهم الأولياء والسعداء والشهداء، والمطيعين من المؤمنين إلى يوم القيامة. فالعرش والكرسي من نوري، وملائكة السموات السبع من نوري، والروحانيون من الملائكة من نوري، والشمس والقمر والكواكب من نوري، والعلم والتوفيق من نوري، وأرواح الرسل والأنبياء من نوري، والشهداء والصالحون من نتائج نوري، ثم خلق الله اثنى عشر حجابا فأقام من نوري وهو الجزء الرابع في كل حجاب الف سنة، وهي حجاب الكرامة والسعادة والهيبة والرأفة والرحمة والعلم والحلم والوقار والسكينة والصّبر واليقين والصدق. فعبدَ الله تعالى ذلك النور في كل حجاب ألف سنة، فلما خرج النور من الحجب زكّاه في الأرض، فكان يضيء منها بين المشرق والمغرب كالسّراج في الليل المظلم. ثم خلق الله تعالى آدم من طين الأرض، فركب فيه من النور في جبينه، ثم انتقل منه إلى شيث، وكان ينتقل من طيب إلى طاهر حتى أوصلني الله تعالى إلى صلب عبد الله بن عبد المطلب، ومنه إلى رحم أمي آمنة. ثم أخرجني الله إلى الدنيا، فجعلني سيّد المرسلين وخاتم النبيين ورحمة للعالمين. هذا كان بدء خلق نبيّك يا جابر.