قال بعضهم : رأيتُ راعياً وهو يصلّي والذئب يحفظ غنمه، فلمّا فرغ قلتُ له : متى اصطلح الذئب مع الغنم ؟ فقال : لما اصطلح ربّ الغنم مع ربّ الذئب، فمن حفظ أمر الله حفظ الله عليه وقته. قال الشيخ الإمام أبو علي الدقاق : من له منزلة وقدر عند الله تعالى متى ظهر منه خلل في بعض أحواله عاتبه السنور في بيته. وقال بعضهم : اجتاز الواسطي بباب حانوتي يوم جمعة فانقطع شسع نعله فقال لي : أنا انقطع شسع نعلي لأني لم أغتسل غسل الجمعة، فقلت : هنا حمام أتدخل ؟ فقال : نعم ودخل الحمام. من اوصاف العارف أن لا يسكن إلى شيء من المخلوقات ولا يوطن نفسه على شيء من الموضوعات، بل يرتقي بهمته إلى خالق الأرضين والسموات، قال تعالى : ( وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) فعند ذلك يكون عظيم الهمة، شريف الإرادة، جليل الحالة، لا يتعزز بدنياه، ولا يرضى بغير مولاه، فيكفيه الله ما لا بدّ له منه ويجعل الكون بأسره خادماً له، ولا يستوحش من الغربة لِما وَجد من أُنس القُربة. وقال بعضهم : تِهتُ مرّة في طريق الحجّ في البادية، فلمّا جنّ الليل سمعتُ صوت شخص نحيف يقول إلي : يا أبا إسحاق قد انتظرتك من الغداة، فدنوت منه فرأيته شابّاً نحيفاً، قد أشرف على الموت وحوله رياحين كثيرة، منها ما عرفته، ومنها ما لم أعرفه. فقلتُ : من أين أنتَ ؟ فقال : من مدينة سمساط كنت بها في عزٍّ وثروة، فطالبتني نفسي بالعزلة فخرجت، وقد أشرفت على الموت فسألت الله عزّ وجلّ أن يُقيّض لي وليّاً من أوليائه وأظنّك هو. فقلت له : ألك والدان ؟ قال : نعم، وإخوة وأخوات، فقلتُ : وهل اشتقتَ إليهم أو ذكرتهم ؟ قال : لا، إلاّ اليوم أردت أن أشمّ ريحهم، فطافت بي السِّباع والبهائم وبكَيْنَ معي وحملْن إليَّ هذه الرّياحين. قال الر اوي : فبينا أنا معه في تلك الحالة إذ أقبلت حيّة في فمها طاقة نرجس كبيرة فقالت لي : صُن سرّك عنه فإنّ الله غيور على أوليائه. قال : فغُشِيَ عليَّ فما أفقتُ حتى خرجتْ نفسه ثم وقع عليّ نوم فاستيقظتُ وأنا على الجادّة، فدخلت مدينة سمساط بعدما حججتُ، فاستقبلتني امرأة بيدها ركوة لم أر أشبه بالشاب منها، فلمّا رأتني قالت لي : يا أباإسحاق كيف رأيت الشاب ؟ فذكرتُ لها القصّة إلى أن قلتُ : أردت أن أشمّ ريحهم، فصاحت وقالت : آه، بلغ الشمُّ السَّمَّ وخرجتْ نفسها.