اعلم أن مذهب أهل الحق، إثبات كرامات الأولياء، وأنها واقعة موجودة مستمرة في الأعصار، ويدل عليه دلائل العقول، وصرائح النقول.
أما دلائل العقل:
فهو إنها أمر يمكن حدوثه، ولا يؤدي وقوعه إلى رفع أصل من أصول الدين، فيجب وصف الله تعالى بالقدرة عليه، وما كان مقدورًا كان جائز الوقوع.
وأما النقول : فآيات في القرآن العزيز، وأحاديث مستفيضة.
أما الآيات، فقوله تعالى في قصة مريم: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا}.
قال الإمام أبو المعالي إمام الحرمين رحمه الله تعالى: ولم تكن مريم نبية بإجماع العلماء؛ وكذا قاله غيره؛ بل كانت ولية صديقة، كما أخبرنا الله تعالى عنها.
وقوله تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ}.
ومن ذلك قصة صاحب سليمان عليه السلام حيث قال: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}.
وأما الأحاديث فكثيرة؛ منها : حديث أنس، أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجا من عند النبي في ليلة مظلمة، ومعهما مثل المصباحين يضيئان بين أيديهما، فلما افترقا، صار مع كل واحد منهما واحد حتى أتى أهله!(أخرجه البخاري في صحيحه )
ومنها : حديث أصحاب الغار الثلاثة الذين أووا إلى الغار فأطبقت صخرة عليهم بابه! فدعا كل واحد منهم بدعوة فانفرجت عنهم الصخرة، وهو مخرج في صحيحي البخاري ومسلم.
ومنها : حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في قصة جريج، أنه قال للصبي الرضيع: من أبوك؟ قال: فلان الراعي. وهو مخرج في الصحيح.
ومنها : حديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَقَدْ كَان فِيما قَبْلَكُمْ مِنَ الأُممِ نَاسٌ محدَّثونَ، فَإنْ يَكُ في أُمَّتي أَحَدٌ، فإنَّهُ عُمَرُ).
ومنها : الحديث المشهور في صحيح البخاري وغيره في قصة خُبيب الأنصاري رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقول بنت الحارث فيه : والله ما رأيت أسيرًا قط خيرًا من خبيب، والله لقد وجدته يومًا يأكل من قطف عنب في يده، وأنه لموثق في الحديد، وما بمكة من ثمر!. وكانت تقول: إنه لرزق الله رزقه خبيبًا.