وممّا أنكره البعض في ميدان الواسطة المعنويّة التوسل بالرسول صلى الله عليه و سلم بعد موته . مركزين على ضعف الحديث المتداول (تَوَسَّلوا بِجَاهِي فَإِنَّ جَاهِي عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) لنسلم أن الحديث ضعيف ، ولكن أليس للرسول صلى الله عليه وسل جاه ؟ الم يعده تعالى بالشفاعة الكبرى يوم القيامة ؟ فكيف ينكرونها بعد موته في الدنيا ، ويرجونها بعد موته في الاخرة ؟ إن التوسل من باب الشفاعة ، وتكون بمقام نبوته حيا وميتا ، ومقام النبوة لا يتغير بالموت ، وبه أُعطِي الاستجابة في الدنيا ، والشفاعة في الآخرة.. و الحق ما قرره الشنقيطي في شرح "زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري و مسلم "من أن التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم وقع في حياته ، وكل ما وقع في حياته يبقى شريعة بعده ، ما لم يرِد النسخ ، والنسخ لم يرد في الموضوع . فيبقي التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم هو الشريعة ومن أنكره حرِم فضله .
وبالجملة فالوسطاء الماديون ، الذين يوهِمون بُسطاء العقول وضَعَفت الإيمان بضمان الجنة أو النجاة من النار عملهم من قبيل الشعودة و التضليل ؛ لأن الله لم يضع بينه وبين عباده هذه الوسائط الماديّة المحسوسة ، ولم يجعل حقّ التصرّف في جنّته أو ناره تحت إرادة أي كان ، و يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (لَنْ يَنْفَعَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ. قالوا : ولاَ أنتَ يا رسول الله . فقال : ولاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِرَحْمَةٍ) يتبخّر كل ادّعاء ، ولا يبقى إلاّ التعلق بربّ الملك و الملكوت . مع التسليم بفضل الله وتكرمه بما شاء على من شاء من عباده الصالحين . وقد بشّر الرسول صلى الله عليه وسلم عشرة من أصحابه بالجنة . وهو لا ينطق عن الهوى و لا يقول و لا يعمل بنفسه . وإنما يقول ويعمل بربّه . وقد تقدّ م قول العبد الصّالح -حكاية عنه في القرآن - بعد أن كشف لموسى عليه السلام عن سر ما فعله من أمور الغيب :(وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) فالمعنويّون يفعلون بامر الله والماديّون يفعلون بأمر أنفسهم.