الفناء : هو الزوال والاضمحلال، كما أن البقاء ضده، والطائفة يجعلون الفناء على مراتب :
الفناء عن الشهوة : هو سقوط الأوصاف المذمومة، التى ما دامت النفس متصفة بها، فهى النفس الأمّارة، أي بالسوء، فإذا أخذ العبد فى مجاهدة نفسه بنفي سفساف أخلاقها، ومواظبته على تزكية أعمالها، فإنه ما دامت هذه حاله فنفسه لوامة، لأنه لو لم يكن في قلبه بقية لما احتاج إلى المجاهدة، وهذا هو الذي يقال له الفاني عن شهوته، وذلك لأنه قد ترك مذموم الأفعال بجوارحه امتثالاً لأمر الشريعة، إلا أن قلبه بعد ينازعه إليها لكونه لم يستقم بعد على الطريقة لتصفو أخلاقه الباطنة.
فناء الراغب : هو الذي يفنى عن شهوته بجوارحه، ويزيد مع ذلك فيها بقلبه لتحققه بالاستقامة على أحكام الطريقة، وهذا ذو النفس المطمئنة.
الفاني برغبته : هو الذي ترك لذة شهوته بجوارحه، ثم رغب عنها بقلبه أيضاً
فناء المتحقق بالحق : هو المشتغل بالحق عن الخلق، ومثل هذا لا يعد راغباً عن شيء إلى شيء، لأن الحق لا يسع معه سواه، فلهذا سمي هذا الشخص بالفاني بالحق عما سواه.
فناء أهل الوجد : هو فناء من فنى بالحق كما عرفته ، لكنه سمى فناؤه بفناء الوجد، لكون الوجد هو سبب فنائه ، وذلك هو الذي تكون نفسه موجودة، والخلق موجودين ، إلا أنه لا علم له بهم، ولا نفسه، ولا إحساس، ولا خبر.ويكون ذلك لاستهلاكه في حضرات القرب، فهو لا يسعه إدراكه لنفسه، فضلاً عن غيره من العالمين، ومثاله من دخل على ذي سلطان عظيم، فأذهله عن نفسه وعن أهل مجلسه، بل وربما أذهله أستعظام ذلك العظيم عن رؤية له، بحيث إذا خرج من عنده لم يمكنه استثباب شيء مما كان في ذلك المجلس حتى لو سئل عن هيئة المجلس، وملابس أهله، وترتبهم فيه لم يدر ما يقول، وكثيرا ما يقع مثل هذا. قال تعالى : { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ}.
فإذا كن لم يجدن عند مشاهدة جمال يوسف ألم قطع الأيدي، وهو جمال صورة مقيدة بتعين جزئي من تعينات مطلق الجمال، فما شأنك بمن شاهد كمال صورة الجمال المطلق عن الإطلاق والتقييد، فبالأولى أن لا يجد مع شهوده غيره، فإن من استولى عليه سلطان الحقيقة لم يتسع معها أن يشهد من الأغيار لا عيناً ولا أثراً ولا رسماً ولا طللاً، وهذا هو الذي فنى عن الخلق ببقائه بالحق، فيرى كل ما سوى الله بالله لا بغيره.
فناء صاحب الوجود : هو أيضاً فناء من فنى بالحق، وهو ما عرفته إلا أنه خص ههنا بهذا الاسم لكونه ممن يجد نفسه وغيره من الخلق، لكنه لا يرى لهم وجوداً، إنما يرى الوجودالحق لله وحده، وأول مراتب هذا الفناء.
فناء رؤية العبد لفعله : لقيامه بالله على ذلك ، ثم يرتقي منه إلى فناء رؤيته لذاته لقيام الله عليها، والفناء أحد المنازل العشرة التي يشتمل عليها قسم النهايات، فنهاية انتهاء السائرين في منزلة الفناء هو الوصول إلى إزالة قيد التقييد بحكم شيء من التجليات الظاهريّة والباطنيّة.
فناء الفناء : هو الفناء عن شهود هذا الفناء .
وقد يراد بفناء الفناء : البقاء الثاني، لأنه هو المقام الذي بعد الفناء . وقد يختص القول فى الفناء بأنه عبارة عن ذهاب تمسّك العبد لاستهلاكه في حضرات القرب، بحيث يفنى عن كل ما سوى مشهوده، ويقال أيضاً : بأن الفناء سقوط ملاحظة النفس متى التذت به لقيامها فيه عما سواه، فإذا بلغ بها ذلك الفناء إلى فنائها عن شعورها بفنائها أيضاً سميت حالتها تلك بالفناء عما سوى المحبوب لتضمن ذلك الفناء لا محالة، ويعبر عنه بالمحو، وبالمحق، وبالطمس.
فناء الوجود في الوجود : ويقال : فناء الشهود في الشهود.
ويقال : اتصال الوجود، ومعناه : فناء اسم الموجود في الوجود الحق، فيفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل، وهذا إنما يكون بعد الفناء عن الفناء، كما قالوا :
فُنيتُ عنِ الفَناءِ وعنْ فَنائِي فَناءً فِي وُجودِكَ عَنْ وُجودِي
أو قال : فناء في شهودك عن شهودي.