{ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا منْ أَنْفُسكُمْ} أي إذا كان لكم مماليك لا تَرْضَوْن بالمساواة بينكم وبينهم، وأنتم متشاكلون بكلّ وجه-إلا أنكم بحكم الشرع مالكوهم- فَمَا تقولون في الذي لم يَزَلْ، ولا يزال كما لم يزل؟
هل يجوز أن يُقَدَّرَ في وصفه أن يُسَاويَه عبيدُه؟وهل يجوز أن يكون مملوكُه شريكَه؟ تعالى اللَّهُ عن ذلك علوًا كبيرًا!
أشدُّ الظلم متابعةُ الهوى، لأنه قريبٌ من الشّرْك، قال تعالى: {أَفَرَءَيْتَ مَن اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23]. فَمَنْ اتَّبَعَ هواه خالف رضا مولاه؛ فهو بوضعه الشىءَ غيرَ موضعه صار ظالمًا، كما أَنَّ العاصيَ بوضعه المعصيةَ موضعَ الطاعة ظالمٌ. كذلك هذا بمتابعة هواه بَدَلًا عن موافقة ومتابعة رضا مولاه صار في الظلم متماديًا.
أخْلصْ قَصْدَك إلى الله، واحفَظْ عهدك مع الله، وأَفردْ عملَكَ في سكناتك وحركاتك وجميع تصرفاتك لله.
{حَنيفًا} أي مستقيمًا في دينه، مائلًا إليه، مُغْرَضًا عن غيره، والزَمْ {فطْرَتَ اللَّه التي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} أي أثْبَتَهُم عليها قبل أن يُوجَدَ منهم فعْلٌ ولا كَسْب، ولا شرْكٌ ولا كُفْر، وكما ليس منهم إيمان وإحسان فليس منهم كفران ولا عصيان. فاعرف بهذه الجملة، ثم افعل ما أُمرْتَ به، واحذر ما نُهيتَ عنه.
فعلى هذا التأويل فإن معنى قوله: {فطْرَتَ اللَّه التي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} أي اعْرَفْ واعْلَمْ أن فطرة الله التي فطر الناس عليها: تَجَرُّدُهم عن أفعالهم، ثم اتصافهم بما يكسبون- وإن كان هذا أيضًا بتقدير الله.
وعلى هذا تكون {فطْرَتَ} الله منصوبة بإضمار اعْلَمْ- كما قلنا.
سبحانه فَطَرَ كلَّ أحدٍ على ما عَلمَ أنه يكون في السعادة أو الشقاوة، ولا تبديلَ لحُكْمه، ولا تحويلَ لما عليه فَطَرَه. فمَنْ عَلمَ أنه يكون سعيدًا أراد سعادته وأخبر عن سعادته، وخَلَقَه في حُْكمه سعيدًا. ومَنْ عَلمَ شقاوته أراد أن يكون شقيًا وأخبر عن شقاوته وخَلَقَه في حكمه شقيًا. ولا تبديل لحُكمه، هذا هو الدين المستقيم والحقُّ الصحيح.