المحاسبة أول درجة السائرين، ومعناها عدم استرسال النفس في ميادين المخالفة، لأنّ المحاسبة تعوّق النفس عن الانهماك الكلّي، لأنّ المحاسبة تكون مع الغفلة فإذا حضرت المراقبة، وهي كناية عن شهود الحقّ من وراء حجاب، مع عدم الإدراك، أو تقول استحضار علم الله بالعبيد، واستشعار إحاطة البصر بكلّ موجود، فصاحب هذا المقام على كلّ حال في هيبة وأدب، خارج عن المحاسبة، لأنّها تكون بعد الوقوع، والمراقبة تمنع العبد من الوقوع في المخالفة، لما هو عليه من استشعار مطالعة الله عليه في سائر أحواله، وإذا دام العبد على هذه الحالة غالبا ما تصير له المشاهدة. "ومن يتقّ الله يجعل له مخرجا" [الطلاق آية 2], أي فمن يتقّ الله من وراء حجاب، ويخشاه بالغيب يجعل له مخرجا من سجن الكون، إلى شهود المكوّن، لصلاحيته لذلك الشأن، فمحاسبة، ثمّ مراقبة، ثمّ مشاهدة. فهذا مجموع الدين إسلام، وإيمان، وإحسان.
وسئل بعضهم في هذا المعنى : ما الإسلام ؟ وما الإيمان ؟ وما الإحسان ؟ فقال : الإسلام أن تعبد الله، والإيمان أن تحضره وتخشاه، والإحسان أن تشاهده وتراه. فأهل المشاهدة لا تتمكن منهم المخالفة ما داموا في الحضور.
وهكذا بلوغ الغاية لا يكون إلا بعد تصحيح البداية، وهي المحاسبة كما تقدم. كان بعضهم رحمة الله عليه يحاسب نفسه على الكلام الصادر منه، فإذا وجد كلمة خير شكر الله عليها، وإذا وجد كلمة فيها غير ذلك لام نفسه، وعاهد الله أن لا يعود لمثلها.