إن كان الإنسان لا يبال بنقصان عمره، وغفل عن مرور الليالي والأنفاس المعدودة عليه، لا شكّ يطغى حتى يأخذه الله أخذا وبيلا، وهو لا يشعر، فهو مستدرج للآخرة شيئا فشيئا بدون أن يحسّ بنفسه (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) [القلم آية 44], ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : "أكثروا من ذكر هادم اللذّات وهو الموت" رواه النسائي في سننه فإنّ الإنسان إذا شعر بنقصان الأنفاس، وكان بصيرا بضعف الحواس، فلا جرم يشتغل بما يعينه، لأنّه في سير إلى الآخرة، يأخذ من دنياه إلى أخراه، ومن صحته إلى موته، ومن عمي عن ذلك تراه كأنّه لم ينقص له شيء من حياته، مع أن عمره أعز عليه من كل عزيز، وقد مر أكثره وهو لا يشعر، ولا ينتبه ولا يتزود للرحيل (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج آية 46].