إن من لُطف الله بك أن يكشف لك عن عيوب نفسك ويستُرها عن الناس .
إذا أُعطيت الدنيا ومُنعت الشُكر فيها فهي محنة في حقك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" قليل الدنيا يُلهي عن طرق الآخرة " .
كان لبعضهم زوجة فقالت له يوما : لا أقدر على أن تغيب عني ولا أن تشتغل بغيري ، فنودي : إذا كانت هذه لا خالقة ولا مُوجدة ، وهي تحب أن تجمع قلبك عليها ، فكيف لا أحب أنا أن تجمع قلبك علي ؟
كنت مرة عند الشيخ أبي العباس المرسي رحمه الله فقلت في نفسي أشياء ، فقال الشيخ : إن كانت النفس لك فاصنع بها ما شئت ، ولن تستطيع ذلك، ثم قال : النفسً كالمرأة كلما أكثرت خصامها أكثرت خصامك ، فسلمها إلى ربها يفعل بها ما يشاء ، فربما تعبت في تربيتها فلا تنقاد لك . فالمسلم من أسلم نفسه إلى الله بدليل قوله تعالى :" إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ".
إذا أحبك مولاك أعرض عنك أصحابك حتى لا تشتغل بهم عنه ، وقطع علائقك من المخلوقين حتى ترجع إليه .
كم تطلب نفسك إلى الطاعة وهي تتقاعد ! إنما تحتاج إلى معالجة نفسك في الإبتداء ، فإذا ذاقت المنة جاءت اختيارا . فالحلاوة التي كانت تجدها في المعصية ترجعُ تجدها في الطاعة .
مثال الإيمان في القلب كالشجرة الخضراء ، فإذا كثرت عليها المعاصي يبست وفرغ مددها، فمن أراد القيام بالواجبات فليترك المحرمات ، ومن ترك المكروهات أُعين على تحصيل الخيرات ، ومن ترك المباحات وسع عليه توسعة لا يسعها عقله ، وأباح له حضرته ،ومن ترك استماع ما حُرم عليه أسمعه كلامه، ولكن ما أخف القُربة التي فيها هوى نفسك عليك، وما أثقل ما ليس فيه هوى، مثاله أن تحج تنفلا ، فإن قيل لك : تصدَّق بذلك يشق عليك؛ لأن أمر الحج يُرى ، فللنفس فيه حظ والصدقة تُطوى وتُنسى ، وكذلك درسك العلم لغير الله؛ فإنك تدرس الليل كله ونفسك طيبة بذلك ،فإذا قيل لك صلِّ بالليل ركعتين شق ذلك عليك؛ لأن الركعتين بينك وبين الله تعالى ، ليس للنفس فيه حظ والقراءة والدرس للنفس فيهما حظ مشاركة للناس؛ فلأجل ذلك خفَّ عليها.
قال بعضهم:تاقت نفسي إلى التزويج فرأيت المحراب قد انشق وخرج منه نعل من ذهب ، مكلل باللؤلؤ فقيل لي : هذا نعلها فكيف وجهها ؟ فانقطعت شهوة النكاح من قلبي .
من هُيئت له المنازل لم يَرض له بالقعود على المزابل؛ فاعمل الأعمال الصالحة بينك وبين الله تعالى سرًّا ولا تُطلع عليها أهلك واجعله مُدخرا عند الله تجده يوم القيامة؛ فإن النفس لها تمتع بذكر العمل .
صام بعضهم أربعين سنة ولم يعلم به أهله، لا تنفق أنفاسك في غير طاعة الله تعالى، ولا تنظر إلى صغر النفس بل انظر إلى مقداره، وإلى ما يعطي الله تعاى فيه للعبد، فالأنفاس جواهر ، وهل رأيت أحدًا يرمي الجوهرة على مزبلة ؟ أفتصلح ظاهرك وتُفسد باطنك ؟ فمثالك كالمجذوم لبس ثيابا حسنة، ويخرج منه في الباطن القيح والصديد،فأنت تُصلح ما ينظر إليه الناس،ولا تُصلح قلبك الذي هو لربك !.
الحكمة قيد المؤمن
الحكمة كالقيد إن قيدت بها نفسك امتنعت ، وان رميتها تسيبت ،ويُخاف عليك . مثال ذلك كالمجنون في بيتك يُخربه ويُقطع الثياب ، فإذا قيدته استرحت منع وإذا طرحت القيد وخرجت فالضرر باق .
أيها الشيخ ، قد أفنيت عمرك فاستدرك ما فاتك ، قد لبست البياض وهو الشيب والبياض لا يحمل الدنس .
مثال القلب كالمرآة ، ومثال النَّفْس كالنَّفَس، كلما تنفست النفس على المرآة سودتها . قلب الفاجر كمرآة العجوز التي ضعفت همتها أن تجلوها وتنظر فيها ، وقلب العارف كمرآة العروس ، كل يوم تنظر فيها فلا تزال مصقولة .
همة الزاهدين في كثرة الأعمال ، وهمة العارفين في تصحيح الأحوال .
أربعة تُعينك على جلاء قلبك:كثرة الذكر، ولزوم الصمت، والخلوة، وقلة المطعم والمشرب . أهل الغفلة إذا أصبحوا يتفقدون أموالهم ، وأهل الزهد والعبادة يتفقدون أحوالهم ، وأهل المعرفة يتفقدون قلوبهم مع الله تعالى. ما من نفس يُبديه الله تعالى فيك من طاعة أو مرض أو فاقة إلا وهو يريد أن يختبرك بذلك.
مَن طلب الدنيا بطريق الآخرة كان كمن أخذ ملعقة ياقوت يغرف بها العُذرة - الغائط - أفما يُعد هذا أحمق ؟!
لاتعتقد أن الناس فاتهم العلم ، بل فاتهم التوفيق أكثر من العلم .
أول ما ينبغي لك أن تبكي على عقلك ، فكما يقع القحط في الكلأ فكذلك يقع في عقول الرجال، وبالعقل عاش الناس مع الناس بحسن الخُلُق ، ومع الله تعالى باتباع مرضاته .
النعمة الكبرى
إن من الله عليك بثلاث فقد من عليك بالنعمة الكبرى، الأولى : الوقوف على حدوده ، والثانية : الوفاء بعهوده ، والثالثة : الغرق في شهوده، وما سبب استغرابك لأحوال العارفين إلا استغراقك في القطيعة ولو شاركتهم في الأسفار لشاركتهم في الأخبار ، ولو شاركتهم في العناء لشاركتهم في الهناء .
ما مثال نفسك وقت الرضا إلا كالبعير المعقول ، فإذا سيبته انطلق ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لقلب ابن آدم أشدُ تقلبًا من القِدْرِ على النار إذا غلت" . فكم من كان في جمع مع الله أتته الفرقة في نفس واحد ، وكم من بات في طاعة الله ما طلعت عليه الشمس حتى دخل في القطيعة ، فالقلب بمثابة العين ، والعين لا ترى بها كلها ، بل بمقدار العدسة منها، فالقلب كذلك لا يراد منه اللحمانية ، بل اللطيفية التي أودعها الله فيه وهي المُدركة ، وجعل الله تعالى القلب معلقا في الجانب الأيسر كالدلو ، فإن هب عليه هوى الشهوة حركه ، وإن هب عليه خاطر التُقى حركه ، فتارة يغلب عليه خاطر الهوى ، وتارة يغلب عليه خاطر التقى حتى يُعرفك مرة منته ومرة قهره، فمرة يُغلب عليه خاطر التقى ليمدحك ، ومرة يغلب عليه خاطر الهوى ليذمك، فالقلب بمثابة السقف ، فإذا أُوقد في البيت نار صعد الدخان إلى السقف فسوده ، فكذلك دُخان الشهوة ، إذا أنبت في البدن صعد دُخانه إلى القلب فسوَّده .
إذا ظلمك الغوي فارجع إلى القوي ، ولا تخف منه فيُسلط عليك ، مثال من يشهد الإضرار من المخلوقين كمن ضرب الكلب بحجر ، فأقبل الكلب على الحجر يعضه ولا يعرف أن الحجر ليس بفاعل ، فيكون هو والكلب سواء، ومثال من يشهد الإحسان من المخلوقين كالدابة إذا رأت سايسها بصبصت بعينيها، ويدنو إليها مالكها فلا تُلقي إليه بالا .فإن كنت عاقلا فاشهد الأشياء من الله عز وجل ولا تشهدها من غيره .
التائه عن السبيل
ليس التائه من تاه في البرية ، بل التائه من تاه عن سبيل الهدى .تطلب العز من الناس ، ولا تطلبه من الله ، فمن طلبه من الناس فقد أخطأ الطريق ، ومن أخطأ الطريق لم يزده سيره إلا بعدا فهذا هو التائه حقا .
إذا قلت : لا إله إلا الله ، طالبك الله بها وبحقها وهو ألا تنسب الأشياء الا إليه .
مثال القلب إذا أسلمته إلى النفس كمن تعلق بغريق فغرق كل واحد منهما،ومثال النفس إذا أسلمتها للقلب كمن أسلم نفسه إلى عوَّامٍ قوي فسلم،فلا تكن كمن أسلم قلبه إلى نفسه ! هل رأيت بصيرا قلد نفسه إلى أعمى يقوده ؟! إن أمكنك أن تُصبح وتُمسي وما ظلمت أحدا من العباد فأنت سعيد ، فإن لم تظلم نفسك فيما بينك وبين الله ، فقد تكملت لك السعادة ، فأغلق عينيك وسُد أذنيك وإياك إياك وظُلم العباد .
العقول الصغيرة
ما مثالك في صغر عقلك وكونك لا تعلم ما عليك من الملابس إلا كالمولود تكسوه أمه أحسن الملابس وأفخرها ، وهو لا يشعر وربما دنسها ونجسها فتسرع إليه أمه وتكسوه أخرى ، لئلا يراه الناس كذلك وتغسل ما تنجس وهو لا يعلم ما فُعل به لصغر عقله .
عن الشيخ أبي الحسن الشاذلي رحمه الله أنه قال :" قيل لي : يا علي ، طهر ثيابك من الدنس تحظ بمدد الله في كل نفس . فقلت : وما ثيابي ؟ فقيل لي : إن الله كساك حُلة المعرفة ثم حلة التوحيد ثم حلة المحبة ، ثم حلة الإيمان ثم حلة الإسلام، فمن عرف الله تعالى صغر لديه كل شيء ومن أحب الله هان عليه كل شيء ، ومن وحد الله لم يُشرك به شيئا ، ومن آمن بالله أمن من كل شيء ، ومن أسلم لله قلما يعصيه ، وإن عصاه اعتذر إليه ، وإن أعتذر إليه قبل عذره . قال ففهمت ذلك من قوله تعالى " وثيابك فطهر ".
يا من عاش وما عاش ، تخرج من الدنيا وما ذُقت ألذ شيء فيها وهي مناجاة الحق سبحانه ومخاطبته لك ، فأنت مُلقى جيفة بالليل ، فإن دُفعت عنه فاستغث بالله ، وقل : يا ملائكة الله ويا رسول ربي ، فاتتني الغنيمة التي نالوها من لذة المناجاة ووداد المصُفاة .
إذا كان العبد مُعجبا بطاعته ، متكبرا على خلقه ، ممتلئا عظمة يطلب من الخلق أن يوفوا حقوقه ، ولا يوفي حقوقهم ، فهذا يخشى عليه سوء الخاتمة ، والعياذ بالله !.وإن كان إذا فعل معصية تراه باكيا حزينا ، منكسرا ذليلا ، يتطارح على أرجل الصالحين ويزورهم معترفا بالتقصير ، فهذا يُرجى له حسن الخاتمة .
الدَّال على الله نادر
إذا طلبت قارئا وجدت مالا يُحصى ، وإذا طلبت طبيبا وجدت كثيرا وإذا طلبت فقيها وجدت مثل ذلك ، وإن طلبت من يدُلك على الله ويُعرفك بعيوب نفسك لم تجد إلا قليلا ، فإن ظفرت به فأمسكه بكلتا بديك .
إن أردت أن تُنصر فكن كلك ذلة ، قال الله تعالى :" ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ". إن أردت أن تُعطى فكن كلك فقرا :" إنما الصدقات للفقراء والمساكين ". تكون في وسط النهر وأنت عطشان ، تكون معه في الحضرة وأنت تطلب الإتصال ، كأن العباد لم يتواصلوا إلى الآخرة إلا بكثرة المآكل والمشارب ، أو قيل لهم : هذه توصلكم إلى الآخرة ؟!. ولكن ما أرخص نفسك عليك ! لولا هوانها عليك ما عرضتها لعذاب الله تعالى ، وما أغلاها في طلب الدنيا وجمعها ! والعجب كل العجب في من يسأل المُنجِّم عن حاله ، ولا يسأل كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
إذا ضعفت عن العبادة فرقع عبادتك بالبكاء والتضرع ،وإذا قيل لك :من يُبكي عليه ؟ فقل : عبدٌ عُفي فأنفق عافيته في معصية الله !! إذا نمت على تخليط رأيت التخليط في منامك ، بل ينبغي لك أن تنام على طهارة وتوبة ، فيفتح قلبك بنوره.ولكن من كان في نهاره لاغيا ، كان في ليله عن الله ساهيا .
إذا رأيت وليا لله تعالى فلا يمنعك إجلاله من أن تقعد بين يديه متأدبا وتتبرك به ، واعلم أن السماء والأرض لتتأدب مع الولي كما يتأدب معه بنو آدم.
فمن فرح بالدنيا إذا جاءته فلقد ثبت حُمقه ، وأحمق منه من إذا فاتته حزن عليها . فمثاله كمن جاءته حية لتلدغه ، ثم مضت وسلمه الله تعالى منها ، فحزن عليها أن لم تضره .
من علامات الغفلة وصغر العقل : أن تعول هما هل يقع أم لا ، وتترك أن تعول هما لابد من وقوعه ، وتصبح وتقول : كيف يكون السعر غدا ، وكيف يكون الحال في هذه السنة ، وألطاف الله تأتي من حيث لا تعلم والشك في الرزق شك في الرازق ، وما سرق السارق وما غضب الغاضب إلا رزقه ، فما دمت حيا لا ينقص من رزقك شيء .
كفى بك جهلا أن تعول الهم الصغير ، وتترك الهم الكبير . عُلْ همّ أن تموت مسلما أو كافرا ؟ عُل همّ هل أنت شقي أم سعيد ؟ عُل همّ النار الموصوفة بالأبدية التي لا إنتهاء لها! عُل هم أخذ الكتاب ياليمين أو بالشمال . هذا هو الهم الذي يُعال ، لا تعل هم اللقمة تأكلها أو شربة تشربها.أيستخدمك الملك ولا يُطعمك ؟! أتكون في دار الضيافة وتضيع ؟ إن أحب ما يُطاع الله به : الثقة به .
أن تكون خاملا في الدنيا خير لك من أن تكون خاملا يوم القيامة، هذه صفاوة العمر وغربلته. يا من لا يأكل الحنطة إلا مغربلة لا بد أن تُغربل عملك فلا يبقى لك إلا ما أخلصت فيه وما عدا ذلك يُرمى ، وما أكثر ما يُخشى عليك مخالطة الناس ، ولا يكفيك أن تسمع بأذنيك بل تشاركهم في الغيبة ، وهي تُنقض الوضوء وتفطر الصائم .
كفى بك جهلا أن تغار على زوجتك ولا تغار على إيمانك ! كفى بك خيانة أن تغار عليها لأجل نفسك،ولا تغار على قلبك لأجل ربك ، إذا كنت تحفظ ما هو لك ألا تحفظ ما هو لربك ؟!
إذا رأيت من يصبح مهموما لأجل الرزق فاعلم أنه بعيد من الله ، فإنه لو قال لك مخلوق: لا تشتغل غدا بسبب ، وأنا أعطيك خمسة دراهم ، وثقت به وهو مخلوق فقير ، أفما تكتفي بالغني الكريم الذي ضمن لك رزقك من أجلك ؟! قال الشاعر :
إذا العشرون من شعبان ولت فواصل شُرب ليلك بالنهار
ولا تشرب بأقداح صغار فقد ضاق الزمانُ على الصغار
فمعناه عنده: إذا مضت العشرون من شعبان فقد قرب رمضان يقطع علينا الشراب . ومعناه عند أهل الطريق : إذا خلفت أربعين سنة وراء ظهرك فواصل العمل الصالح بالليل والنهار ، لأن وقت قد قرب إلى لقاء الله عز وجل ، فليس عملك كعمل من كان شابا ولم يضيع شبابه ونشاطه ، وأنت قد ضيعت شبابك ونشاطك .
هب أنك تريد الجد ولكن لا تساعدك القُوى ، فأعمل على قدر حالك ورقع الباقي بالذكر فإنه لا شيء أسهل منه ، يُمكنك في حال القيام والقعود والإضطجاع والمرض ، فهذا أسهل العبادات وهي التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله ".وأي دعاء أو ذكر سهل عليك فواظب عليه ، فإن مدده من الله عز وجل ، فما ذكرته إلا ببره ، وما أعرضت عنه إلا بسطوته وقهره ، فاعمل واجتهد فالغفلة في العمل خير من الغفلة عنه .
ترى حالك حال الزاهدين في الفضل ، لأن الطالب لا ينقطع عن الأبواب بل تجده واقفا عليها ، فمثاله كالثكلى التي مات ولدها أتراها تحضر العرس والأفراح والولائم ؟! بل هي مشغولة بفقد ولدها .
وكم يرسل لك المولى الصنائع وأنت عبدٌ شرود ، فمثالك كالطفل في المهد كلما حُرك نام . ولو أرسل لك الملك خلعة - العطية - ما أصبحت إلا على بابه ، فاغتنم أوقات الطاعات واصطبر عليها .
إن أردت أن تعصيه فاطلب مكانا لا يراك أحدٌ ، واطلب قوة من غير أن تعصيه بها ، ولن تستطيع شيئا من ذلك لأن الكل من نعمه ، أتأخذ نعمه وتعصيه بها ؟! بل تفننت في المخالفات ، مرة بالغيبة ومرة بالنميمة ومرة بالنظر وما بنيته في سبعين سنة تهدمه في نفس واحد .
أيا هادم الطاعات ما سلط الله عليك الفاقة إلا لترفع حالتك إليه ، ولتجمع عليه ، فيا من يُغرق نفسه بالشهوات والمعاصي ، ليتك أعطيتها ذلك في المباحات ، فمن عاملته بالدنايا وعاملك بالمنن كيف لا تُحبه ؟ من عاملك بالكرم وعاملته باللؤم كيف لا تحبه ؟!.
ما أحد يصحبك فينفعك ، وكل من يصحبك إنما يصحبك لنفسه ، وإنما تحبك الزوجة لتجتني منك مطايب العيش والملابس ، وكذلك الولد يقول: أشدُ بك ظهري فإذا كبرت ولم تبق فيك قوة ولا بقية رفضوك !!.
لو انقطعت عن الخلق لفتح الله لك باب الأنس به تعالى ، لأن أولياء الله قهروا أنفسهم بالخلوة والعُزلة ، فسمعوا من الله وأنسوا به ، فإن أردت أن تستخرج مرآة قلبك من الأكدار فارفض ما رفضوا - وهو الأنسُ بالخلق - وانس ما جرى لفلان واتفق لفلان ؟ ولا تقعد على أبواب الحارات فمن استعد استمد ، فإذا هيأ لك الإستعداد فتح لك باب الإستمداد ، ومن أحسن قرع الباب فُتح له ، فرب طالب أساء قرع الباب فرُد لسوء أدبه ولم يُفتح له .
أكثر ما أوتي العباد من قلة الصمت . فو تقربت إلى الله لسمعت مخاطبته على الدوام ، في سوقك وفي بيتك،ولكن من استيقظ شهد ، ومن نام لم تسمع أذنا قلبه ، ولم تشهد بصيرته ، ولكن الحجاب مُرخى ، ولو أن العباد فطنوا لم يُقبلوا إلا على الله ، ولم يجلسوا إلا بين يديه ، ولم يستفتوا غيره ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " استفت قلبك وإن أفتوك " لأن الخواطر الإلهامية تأتي من الله تعالى فهي موافقة ، وربما أخطأ المفتي والقلب لا يقبل الخطا ، وهذا مخصوص بالقلوب الطاهرة،وإنما يُستفتى عالم ، ولا علم لمن غفل عن الله تعالى .
كانوا رضي الله عنهم لا يدخلون في شيء بنفوسهم ، ولكن من الله وبالله ،وإن المسافة بعجت بين الأولياء والصحابة،فجعُلت الكرامات جبرا لما فاتهم من قُرب المتابعة التامة فإن من الناس من يقول :إن الأولياء لهم الكرامات ، والصحابة لم يكن لهم ذلك . بل كانت لهم الكرامات العظيمة ، بصحبتهم له صلى الله عليه وسلم ، وأي كرامة أعظم منها ؟.