آخر الأخبار

جاري التحميل ...

بين البدايات والنهايات

بين البدايات والنهايات

وثَمَّ مِن كان من الناس في بداية أمره صاحب جهد وعنا، وجد وشقا، ومعاملات طويلة، ومنازلات كثيرة، يقطعون الطريق منزلاً بعد منزل، ومنهلاً بعد منهل، كما قال قائلهم: 

ما زلت أنزل من ودادك منزلاً    تتحيَّر الألباب دون نزوله

إلى أن يلوح لهم علم الوجود، وتتبيَّن لهم تباشير الوصول ، فيستريح القلب من تعب الطلب وكد الثقة، وإن طولب بأضعاف ما كان مطالبا به قبله من أعباء القربة، فتطلع الشموس، وتحسن النفوس، ويسط علم الإصباح، وتلمع أنوار الفلاح، كما قال قائلهم:

فلما استبان الصبح أدرج ضوءه        بأسفار أنوار صوء الكواكب

وهذا الشبلي قال: طلبت العلوم إلى أن طلعت الشمس فقلت: أريد فقه الله، فقالوا: لسنا نعرف ما تقول، يشير إلى هذه الجملة التي ذكرتها.
ومن الناس من يكون موفقا في بدايته مرزوقا من غير كثير جد ولا كبير سعي وجد، روح وصلته، فالأول مريد والثاني مراد، لكن هذا الوصف قل ما يدوم، وما أسرع العين إلى هذه الحالة، وأنشد بعضهم:

عين أصابتك إن العين صائبة      والعين تسرع أحيانا إلى الحسن

وقلما ترى محبًّا إلاَّ وهو يندب أطلالاً ، ويبكي أحوالاً، ويشكو نوى وارتحالا.
وقد حكي عن بعضهم أنه قال: كنت عند الجريري فجاء رجل وقال: كنت على بساط الأنس ففتح علي باب من البسط فزللت زلة فحجبت عن مكاني، فكيف لي بالسبيل إليه، دلني على الوصول إلى ما كنت عليه، قال: فبكى أبو محمد الجريري وقال: الكل في قهر هذه الخطة، لكن أنشدك أبياتاً تجد فيها جوابك، إ شاء الله تعالى ، ثم أنشأ يقول:
قف بداليار فهذه آثارهم             تبكي الأحبة حسرة وتشوقا
كم قد وقفت بربعها مستخبرا      عن أهلها أو صادقا أو مشفقا
فأجابني داعي الهوى لي مسرعا      فارت من تهوى فعز الملتقى

وحكي عن بعضهم أنه قال: كنت مع الجنيد فسمع مغنيا يغني:

منازل كنت تهواها وتألفها       أيام كنت على الأيام منصورا

فبكي الجنيد وقال: ما أطيب الألفة والمؤانسة وأوحش مقامات المخالفة، لا أزال أحن إلى بدء إرادتي وجدة سعيي وركوبي الأهوال طمعا في الوصال، فها أنا ذا في أوقات الفترة أتأسف على الأيام الماضية.

شرح القشيري لأسماء الله الحسنى

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية