آخر الأخبار

جاري التحميل ...

المولد النبوي (3)


وقال صلى الله عليه وسلم: (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين) وفي رواية: (بين الروح والجسد) فنبه صلى الله عليه وسلم على أنه أصل الوجود كله آدم فمن دونه، لأنه قال: (وآدم بين الروح والجسد) فكان آدم حينئذ شيئاً معلوماً، لا تعيين لروحه ولا لجسده صلى الله عليه وسلم، فلما أراد الله سبحانه وتعالى ظهور جسد آدم سواه شبحاً لا روح فيه، وذلك أنه تعالى وجه إلى الأرض ملكاً بعد ملك ليأتوا إليه بقبضة منها، لينفخ فيها صورة جسد آدم فما من ملك إلا وتقسم عليه الأرض بالذي أرسله أن لا يأخذ منها شيئاً يكون غداً من أهل النار، فيرجع، إلى أن توجه إليها عزرائيل عليه السلام فأقسمت عليه كما أقسمت على غيره، فقال لها: إن الذي وجهني وأمرني أولى بالطاعة منك، فقبض منها قبضة من سهلها وحَزْنِها من أبيضها وأحمرها وأسودها فظهر ما في تلك القبضة من الألوان في أخلاق الناس وألوانهم، فلما حضر بين يدي الحق سبحانه وتعالى شرفه بأن ولاه قبض من يقبضه من تلك القبضة، وخمر الله طينة آدم بين يديه حتى قبلت النفخ الإلهي، وسرى الروح الحيواني في أجزاء تلك الصورة، فلما سرت النفخة فيه عطس، فقال له الملك: احمد الله تعالى، فحمد الله، فقال له ربه: يرحمك الله يا آدم لهذا خلقتك أي لتحمدني فأرحمك، فذاك سنةٌ في تشميت العاطس إذا حمد الله تعالى وناجاه.
اللهم صل وسلّم على الذّات المقدّسة الهاشمية، صلاة تتوالى دائما على ممرّ الليالي والأيّام، وأحسن إلينا بجاهه الختام يا رحمن.

فركب الله تعالى جسد آدم من طبائع مختلفة متضادة، فلما أراد الله تعالى تأليفها واجتماعها نفخ فيه من روحه الإلهي المفيض عليه بالإمداد، وظهر فيه سر الكلمات، ومعاني الحروف والأعداد، وهو السر الأحمدي القائم بربه في أزل الآزال وأبد الآباد، الممد للآباء والبنين والأجداد، الشافع لسائر الخلق في يوم المحشر والمعاد، والمنفس عنهم كربة المحشر، وزحمة العرق يوم تذهل الأمهات عن الأولاد، وذلك بعد إحالة الأنبياء عليهم السلام للأمم جميعها عليه في فصل القضاء ودفع الأهوال الشداد، فقبل الإحالة والإقالة ، لما أيده الله به من الكرامة والشفاعة، فيشفع فيُشَفَّع إلى أن تستمر شفاعته فيمن في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان فيخرجه من النار، فهو الرحمة العامة التي رحم الله بها الخاص والعامة، فله الفضل والشرف الأكمل، وله الجاه الأعز الأجمل، الجامع بين الأولية والآخرية والفاتح باب الجنة، والفاتح باب أعيان الأكوان من البطون المستجنة، فسبحان من أمده وأعطاه هذه المواهب الجسام، وخصه من بين سائر الأنام، بما لا تقدر على تعيينه حركات الأقلام، وذلك من فيض عنايته، ومطلق مشيئته وإرادته، وسبق قلم قدرته، فله الفضل أن مَنَّ علينا به، وله الحمد أن خصنا به، وله المنة أن جعلنا من أمته، وله الشكر دائماً بدوام تخصيص إرادته.

أبو الأرواح محيي كل مَيْتٍ .... بنفحته المباركة الشَّمُول 
حبيب الله كرسي المعالي .... وعرش كمال ذي العز الجليل 
دواء الله مرهم كل جرح ... شفاء للمريض وللعليل 
هدية ربنا وسناه فينا .... وكعبته المعظمة الدخول 
يد الرحمن سر الشان عالٍ ... على الأعيان من عرض وطول 
تجاوز أنبياء الله طراًً ... ومر بجبريل وميكائيل 
وأملاك الإله وكل فرد .... وإسرافيل ذي القدر الجليل 
وغاب عن العيون إلى مقام ... من الجبروت باهوت جليل 

قال جبريل: قلبت مشارق الأرض ومغاربها، فلم أر رجلاً أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (إني عبد الله وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل على طينته، ودعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى) صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين. 

وقال عليه الصلاة والسلام: (كنا أظلة حول العرش فسبحنا فسبح الملائكة لتسبيحنا) وقال صلى الله عليه وسلم: (ما افترق الناس فرقتين إلا وجعلني الله عز وجل في خيرهما، وأخرجت من بين أبوي ولم يصبني شيء من عهر الجاهلية، حتى أخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي، فأنا خيركم نفساً، وخيركم أباً) صلى الله عليه وسلم وزاده شرفاً، فهو الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه وهدى، وهو السر الذي حمله نوح في السفينة التي قال الله تعالى فيها: ( تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ) وهي أربعة أعين من أعين الصحابة: عين عتيق، وعين عمر، وعين عثمان، وعين علي، وعين سائر الصحابة أجمعين. 
وهو المقدم طه صلى الله عليه وسلم، والكامل المكمل، وهو النور الذي أطفأ الله تعالى به نار إبراهيم، وهو السر الذي فدى الله به إسماعيل.
فهو صلى الله عليه وسلم معلوم عند الأنبياء، وأنه ظاهر في وقت مخصوص، إذ قد أخذ الله عليهم العهود ليؤمنن به ولينصرنه، وما منهم نبي إلا وقد عهد إلى قومه بما عهد الله إليه بقوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚقَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِيقَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ) وقال صلى الله عليه وسلم: (لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي) ولما توجه أصحاب الفيل إلى مكة لهدم الكعبة منعهم الله تعالى ببركة ظهوره تلك السنة، وفدي أبوه بمائة من الإبل للسر الحامل له، وولد صلى الله عليه وسلم بمكة لأنها وسط الأرض ونقطتها، وقيل: إن الله تعالى دحا الأرض من موضع الكعبة، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم نقطة دائرة الوجود، وسره الظاهر الموجود، الذي عرف به الإله المعبود، المخصوص بكمال الشهود، القائم في مقام لا يقوم فيه غيره يوم عرض الجنود، المسمى بمحمد المحمود، الذي سماه الله قبل ظهوره في القرآن المجيد على لسان نبيه عيسى عليه السلام: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) فلم يزل محموداً مشهوداً قبل ظهوره بالوجود، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه بدوام الله الملك المعبود.

اللهم صل وسلّم على الذّات المقدّسة الهاشمية، صلاة تتوالى دائما على ممرّ الليالي والأيّام، وأحسن إلينا بجاهه الختام يا رحمن.



التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية