آخر الأخبار

جاري التحميل ...

أنواع من التسبيح

 قال أهل التحقيق : إن التسبيح تفعيل من السبح ، والسبح في اللغة : العوم، فكأن المسبِّح يسبح بقلبه في بحار ملكوته ، فعلى هذا القول أصحاب التسبيح مختلفون، فالطالب يسبِّح بقلبه في بحار الفكرة، فإن تلاطمت به أمواج الشبهة وقع في الإنكار والبدعة، وإن سلمت سباحته عن الآفات فلم يقطع عليه الطريق داعي الكسل والفشل، وخاطر العجز والملل ولم تسلمه هفوة سلف ، ولا محنة خلف ، ولم يسبق إلى قلبه سابق تقليد، وأيده الله تعالى بخصائص توفيق وتسديد، أدرك بسباحته جواهر العوم ولطائف الفهوم، فالعالم يسبح بروحه في بحار التعظيم وطلب أوصاف التشريف والتقديم، فإن هبت عليه رياح الفتنة غرق في أوشال الحظوظ، وبقي في أوحال النفوس، وإن ساعدته السعادة عبر قناطر الشهوات الخفية، وجاوز جسور الهمم الدنية، وسقط عنه كل نصيب له وهجره كل قريب له ، وعجز عنه كل نسيب له، كما قال قائلهم:

فريد عن الخلان في كل بلدة       إذا عظم المطلوب قل المساعد

فإذا كان كذلك وصل إلى جواهر المعرفة، والواصل منهم يسبِّح بسره في بحار ملكوته، فإن ملكته حيرة البديهة وصدمته دهشة الغيبة ، قطع عليه الطرق فحيل بينه وبين المقصود، بمساكنة مع حال، واستئناس بخواطر ترد عليه، ولذيذ مقال، فهو عند أهل الحقيقة ممكور، وبما يظنه من الوصلة مهجور، وبالتلبيس مربوط، وبخفي خطره منوط، وإن كان عند الخلق أنه مغبوط.وفي معناه أنشدوا:

وقد حسدوني قرب داري منكم         وكم من قريب الدار وهو بعيد

وإن أمد الله عز وجل هذا السابح بعونه عبر منازل المكنونات، وجاوز قناطر المرسومات، فأدرك جواهر التوحيد، وتحقق بخصائص التفريد، فهذا الذي يسلم له أن يقول : سبحان الله.

شرح القشيري لأسماء الله الحسنى

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية