آخر الأخبار

جاري التحميل ...

كتاب : بهجة الأسرار ومعدن الأنوار في مناقب الباز الأشهب

كتاب : بهجة الأسرار ومعدن الأنوار في مناقب الباز الأشهب

فصل
واعلم أمدك الله برفده

قال رضي الله عنه : واعلم أمدك الله برفده، وجعلك من جنده، أن يد القدرة استخرجت من البحر النبوي، درة يتيمة عقدها، وفريدة مجدها، ونسيجة وحدها، ووحيدة فردها، واستخلصها مالكها لنفسه، وطهرها بجوار قدسه، وذرّها ببهجة أنسه، وصفاها بحبه، واصطفاها لقربه، اصطنعها لحضرته، وجذبها لرحمته، وناداها بفضله، وباراها بوصله، وأودعها من علمه وسره معادن، وألبسها من نوره وخيره محاسن، فبرزت طلائعها في مواكب المعالي والمفاخر، وأسفرت عن صحيح طاعة، الشيخ محيي الدين عبد القادر، فتلقته أيدي الكرامة والتوفيق خلفه وأمامه، ولم يزل مربى في حجر الكرم، مغذى بلبان النعم، محفوظًا بالرعاية، محفوظًا بالحماية، ملحوظًا بالعناية. وقدم رضي الله عنه الى بغداد سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، فياله من قادم تواترت بقدومه، مقدمات السعادة، لأرض نزل بلادها وترادفت عليها الرحمة، وتضاعفت بها بروق الهدى فأضاءت أبدالها وأو تادها، وتتابعت اليها وفود المعالي. وفي جيد منازلها من مجده قلائد وساكنته الفضائل وفي تاج رأس مراتبها من علاه فرائد، فقلب يورده، صدره بالبشر متواجد ولسان ثغره بإقبال وجهه ينطق لله بالمحامد : 

بمقدمه انهل السحاب وأعشب العراق وزال الغي واتضح الرشد فعيدانه رند وصحراءه حمى وحصبائه درّ وأمواجه شهد يميس به صدر العراق صبابة وفي قلب نجد من محاسنه وجد وفي الشرق برق من محاسن نوره وفي الغرب من ذكرى جلالته وعد ولما علم أن طلب العلم فريضة، وشفاء الأنفس المريضة.

إذ أوضح مناهج التقوى سبيًلا وأبلغها حجة، وأظهرها دليًلا وأرفع معارج اليقين، وأعلى مدار المتقين وأعلى مناصب الدين، وأفخر مراتب المهتدين، وهو المرقاة إلى مقامات القرب والمعرفة، والوسيلة إلى التولي بالحضرة المشرفة، شمّر عن ساق الاجتهاد في تحصيله وسارع في طلب فروعه وأصوله، وقصد الأشياخ الأئمة، أعلام الهدى، علماء الأمة فاشتغل بالقرأن العظيم، حتى أتقنه وعم بدرايته ، سره وعلنه وتفقه بأبي الوفاء علي بن عقيل البغدادي ، وأبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلواذي ، والشريف البعقوبي وحماد بن مسلم الدباس، وأبي محمد بن جعفر بن أحمد البغدادي. السراج، وأبي سعيد المبارك المخرمي ولقي جماعة من أعيان زهاد الزمان، وعظماء العارفين بالعجم والعراق، أكرم بهم مجدًا وسؤددًا أو عزًا وفخرًا مؤيدًا، فهم حماة الملة ودواها وأنصار الشريعة وأعضادها وأعلام الإسلام وأركانه، وسيوف الحق وسنانه فقام رضي الله عنه في أخذ العلوم الشرعية عنهم دائبًا وتلقي الفنون الدينية منهم واصبًا حتى فاق أهل زمانه وتميز بين أقرانه، ثم إن الله تعالى أظهره للحق وأدفع له القبول العظيم عند العام والخاص والهيبة الوافرة عند العلماء وأظهر الله الحكم من قلبه على لسانه وظهرت علامات قدرته من الله تعالى وأمارة ولايته وشواهد تخصيصه مع قدم راسخ في المجاهدة وتجرد خالص من دواعي الهوى ومقاطعة دائمة لجميع الخلائق وصبر جميل في طلب مولاه سبحانه على مر الشدائد والبلوى ورفض كلي لكل الأشغال ثم أضيف الى مدرسة أستاذه أبي سعيد المخرمي وماحولها من المنازل والأمكنة مايزيد على مثلها وبذل الأغنياء في عمارتها أموالهم وعمل الفقراء فيها بأنفسهم فكملت المدرسة المنسوبة اليه الآن، وكان الفراغ فيها سنة ثمان وعشرين وخمسمائة هجرية وتصدر بها للتدريس والتقوى، وجلس بها للوعظ وقصدت بالزيارات والنذور وأجتمع عنده بها من العلماء والفقهاء والصلحاء، جماعة كثيرة ينتفعون بكلامه وصحبته وقصد اليه طلبة العلم من الأفاق، فحملوا عنه وسمعوا منه، وانتهت اليه تربية المريدين في العراق وأتى مقاليد الحقائق  وسلمت اليه أزمة العارفين والمعارف فأصبح قطب الوقت حكمًا وعلمًا وقام بالنظر والفتوى نقضًا وبرمًا وبرهن على العلم فرعًا وأصًلا وبين الحكم نقًلا وعقًلا وانتصرللحق  قوًلا وفعًلا وصنف كتبًا مفيدة وأملى فوائد فريدة، فحدثت بذكره الرفاق وانتشرت أخباره في الأفاق والتوت نحوه الأعناق وتنزهت في حدائق نزاهته ومحاسنه الأعين،وأختلفت ببدائع أوصافه الألسن فمن واصف له بذي البيانين واللسانين ومن ملقب له بصاحب البراهين والسلاطين ومن داع له بأمام الفريقين والطرفين ومن مسٍم له بذي السرجين والمنهاجين فأضحى الزمان مشرقًا بمناقبه والدين مشرفًا به، والعلم عالية به مراتبه والشرع منصورًا به كتائبه، ولذلك أنتهى اليه جمع عظيم من العظماء والعلماء وتتلمذ له خلق كثير من الفقهاء.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية