وأخيرا إن أول من ذهب ضحية الضّدية، هم أصحاب الحقيقة الصوفية، فقد سلّط عليهم من أدعياء العلم من أصيبوا بهوس المعارضة والإنكار من جهة، والمدَّعون والمشعودون والمضلّلون والإباحيّون من جهة أخرى. وقد قال ابن الجوزي في كتابه "تلبيس إبليس" : قد اندسَّ في الصوفيّة أهل الإباحة، فتشبَّهوا بهم، حفظا لدمائهم" (133) ومن هنا نشأ الالتباس والارتكاس، واختلط الحابل بالنابل، أمام أعين المنكرين، والمعارضين للحقيقة الصوفية، إذ لم يعطوا من العلم والصدق، والقدرة على البحث، وبُعد النظر، ما يمكنهم من فرز للأوراق بين الحق والباطل. على الرغم مما تقدّم من قول الإمام الجنيد : "الطرق كلُّها مسدودة على الخلق إلّا على من اقتفَى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم ومذهبنا مقيَّد بالكتاب والسنة" وقول الإمام الغزَّالي في أصحاب الحقيقة الصوفية :"إن جميع حركاتهم وسكناتهم، في ظاهرهم وباطنهم، مقتبسة من نور مشكاة النبوة، وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به" ويروى أن أحد أصحاب الحقيقة الصوفية ذكر له أن شخصا يدَّعي أنه رُفِعَ عنه التكليف؛ لأنه قد وصل، فقال : "نعم، قد وصل، ولكن إلى سقر" إنّ التكليف لم يرفع عن رسول الله، وادّعى مشعود ضالّ مضلّ أنه قد رفع عنه. نفس الموقف، وبتعبير آخر، سيأتي فيما نقله الإمام الشاطبي حيث قال : " سئل أبو علي الروذباري رضي الله تعالى عنه عمن يسمع الملاهي ويقول: هي لي حلال لأني قد وصلت إلى درجة لا يؤثر في اختلاف الأحوال، فقال : "نعم، قد وصل، ولكن إلى سقر" ويُحكى أن الشيخ مولاي عبد القادر الجيلاني، سمع صوتا يقول : "أجزتُ لك المحرَّمات" فأدرك أنه صوت الشيطان، فأجاب : "إخْسَأْ يا لَعين" ومن هنا نعلم ما جهله المعارضون - جهلا - للدعاة والهداة من أصحاب الحقيقة الصوفيّة الصافيّة، فخبطوا خبْط عشواء، وقالوا عن غير علم، والبليّة منهم.
** ** **