وكان يمرّ الظهران راهب من أهل الشام يدعى عيصًا، وقد كان أتاه الله علما كثيرا وكان يلزم صومعة له، ويدخل مكة فيلقى الناس ويقول : وتالله ما تركتُ أرض الخمر والخميرِ والأمنِ، ولا حللتُ أرض البؤس والجوع والخوف إلّا في طلبه، فكان لا يولد بمكة مولود إلّا سألَ عنه. وفي رواية إلا سألوه فيقول ما جاء بعدُ أي لم يجئ الآن. فلما كان صبيحةُ اليوم، أي أولُ اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حتى أتى عيصاً فوقف على أصل صومعته فناداه، فقال: من هذا ؟ فقال : أنا عبد المطلب فأشرف عليه فقال : كُنْ أباه فقد وُلد ذلك المولود الذي كنتُ أحدثكم عنه يوم الاثنين، ويبعث يوم الاثنين، ويموت يوم الاثنين، وأنَّ نجمُه طلع البارحة، وآية ذلك إنه الآن وجِع فيشتكي ثلاثًا أي ولعله من وضع العفريت يدَه على فمِه ثم يُعافَى. فاحفظ لسانك فإنه لم يُحْسَدْ حَسَدَهُ أحد، ولم يُبْغَ على أحد كما يبغى عليه. قال : فما عُمْرهُ ؟ قال : إن طال لم يبلغ السبعين سنة، يموت في وِتْرٍ دُونَها في السنين في إحدى وستين أو ثلاث وستين وذلك جُلُّ أعمارِ أمَّتِهِ. وروى الخطيب البغدادي بسنده كما ذكره صاحب السعادة والبُشرى أنَّ آمنة قالت لمّا وضعته عليه الصلاة والسلام : رأيتُ سحابة عظيمة لها نورًا أسمع فيها صهيل الخيل وخفقان الأجنحة وكلام لرجال حتى غشيته وغُيب عني ، فسمِعتُ مناديا ينادي : طوفوا بمحمد صلى الله عليه وسلم جميع الأرض واعْرِضُوه على كل رُوحاني من الجن والإنس والملائكة والطيور والوحوش، واعطُوه خلق آدم ، ومعرفةَ شيت، وشجاعة نوح، وخلة إبراهيم، ولسان إسماعيل، ورضا إسحاق، وفصاحة صالح، وحكمة لوط، وبشرى يعقوب، وشدة موسى، وصَبر أيّوب، وطاعة يونس، وجهاد يوشع، وصوت داوود، وحب دانيال، ووقار إلياس، وعصمة يحيى، وزهد عيسى، واغمِسُوه في أخلاق النبيين.
قالت : ثم انجلت عني فإذا أنا به قد قبض حريرة خضراء مطوية طيًّا شديدا ينبَع من تلك الحريرة ماء، فإذا قائل يقول : بخ بخ قبض محمد صلى الله عليه وسلم على الدنيا كلها، لم يبق خلق من أهلها إلا دخل طائعا في قبضته.
وأنت لنا يوم القيامة شافعٌ وأنت لكل الأنبياءِ إمامُ
عليك من الله الكريم تحيةٌ مباركةٌ مقبولةٌ وسلامُ