آخر الأخبار

جاري التحميل ...

مناظرة العارف بالله أحمد بن إدريس المغربي مع فقهاء عسير الوهابية

مناظرة العارف بالله أحمد بن إدريس المغربي مع فقهاء عسير الوهابية (1)

هذه مناظرة السيد العارف بحر المعارف العلامة المحدث الفقيه شيخ الطريق ومربي أهل التحقيق العلَم النفيس والحبر البحر الرئيس سيدي العارف بالله تعالى السيد أحمد بن إدريس المغربي مع فقهاء عسير الوهابية. 

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الفقير إلى مولاه تعالى ، حسن بن أحمد بن عبد الله بن عاكش غفر الله له آمين.

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين ، وآله المطهرين ، وصحبه أجمعين.فقد طلب مني الأخ السيد العلامة الجليل المحقق النبيل عز الإسلام ، ونور حدقة الأنام محمد بن شيخنا الإمام علم الحفاظ والأعلام ، شيخ الأسلام السيد عبدالرحمن بن سليمان الأهدال أمد الله أيامه، وأطال في السعادة مقامه ، أن أشرح له صورة المناظرة الواقعة في شهر جمادى الآخرة سنة الف ومائتين وثمان واربعين ، بين شيخنا الرباني الولى المشهور البرارى والبحور ، العارف بالله تعالى الجامع بين علمي الحقيقة والطريقة ، سيدي السيد العلامة أحمد بن أدريس المغربي نفعنا الله ببركاته ، وبين الفقيه العلامة ناصر بن محمد الكبيى الجوني ، وفقهاء عسير ، وهم : عبدالله بن سرور اليامي وعباس بن محمد الرفيدي ، إذ كنت الحاضر في ذلك الوقت ، وأنا اسبح في لجي ذلك البحر حسبما ساعد البخت ، وذلك أن الله تعالى من بقدوم شيخنا المذكور إلى صبيا في شهر شعبان سنة ألف ومائتين وخمس وأربعين ، وذلك من أجل نعم الله تعالى على هذا القطر .

وكان قصده أن يقيم بمدينة أبي عريش عند ساداتنا الأشراف آل حيدر ، أطال الله مدتهم ، لانهم أحق الناس به ، ولكن لما كان المتولى لأمر الجهة الشريف علي بن حيدر ، وعنده جند متكاثرة من الترك والنظام ، وما أوجب خروجه من مكة المشرفة إلا بسبب واقع جرى منهم على يد بعض أولاد الشريف غالب بن مساعد فما رأى أن يوالي من خرج بسببهم هكذا قاله لنا مشافهة ، لما أرسلنا بعض الأشراف يستدعيه إليهم ويسأله عن سبب العدول .

وكانت صَبْياَ في تلك المدة تحت حكم الأمير على من مجثل ، فاختارها للإقامة ، وأجرى عليه الأمير الكفاية التامة، وكان له في ذلك الشرف الأثيل ، والذكر الجميل. ولمّا استقر صار كعبة للقاصدين واجتمع عليه الناس من كل جهة في كل وقت وحين ، حتى كانت صَبْياَ تضئ بالأنوار أيامَها ، وتنشر على سائر البقاع أعلامها ولله در القائل 

وإذا نظرت إلى البقاع وجدتها ... تشقى كما تشقى الرجال وتسعد

وانضاف إليه مع استقراره جم غفير من بلاد الجبرت والسودان وغيرهم وكان من أعيانهم لديه جماعة أحقهم بالتقديم ابن أخيه السيد العلامة الطيب بن محمد بن إدريس، والشيخ العلامة المحقق عبد الله بن محمد العباس والشيخ محمد الهميم، والشيخ إبراهيم الخزامي، والشيخ محمد البرناوي والشيخ إبراهيم الرشيدي، وهؤلاء أعيان مجلسه وخاصتهم من أصحابه، ويحضر لديه جماعة من علماء تهامة فالفقير من جملتهم. وله في اليوم مجلسان بعد الإشراق حتى يتعالى النهار ، وبعد العصر حتى يصلي المغرب ، وكان يحضر في ذلك الوقت أمم من الناس، وهو ينثر عليهم درر الفوائد في البكر والأصائل ، على قدر مقام السائلين ، ويعطي كل أحد جوابه على قدر قابليته ، يحسن عبارة لها، الجماد يلين .

وكان لأصحابه بعد انقضاء مجلسه مجلس خاص يقع فيه الإملاء لبعض كتب الصوفية كتائية بن الفارض، وشرح القيصري عليها، وكالفصوص وشرح الجامي عليها، وكنت أحضر معهم في تلك المذاكرة، ويقع الحمل لتلك العبارات على ما لا خطر فيه ولا محاذرة. ويجمع ذلك المجلس رعاع من الناس، فيسمون شطحات من تلك العبارات.

وكان الفقيه عبد الله بن سرور مقيماً في مدينة صَيْبَا ، ويحضر في غالب الأوقات وينفر طبعه من تلك الألفاظ ، ويشمئز ويورد السؤالات، فأتولى الجواب في سؤاله أنا عن الحاضرين لأجل تخريج العبارة على وجه يقبله ذهنه ، ولكن أولئك الرعاع يحملون ما يسمعون على غير مدلوله، على اختلاف الأوضاع، ومن أمثالهم مَن ألقى العلم إلى غير أهله، فقد ضاع وأضاع. وورد في سنن ابن ماجة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (واضع العِلم في غَيرِ أَهْلِهِ كَمُقلِّد الدرّ الخَنازير) وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه : (ما حدّثتَ قومًا، بحديث لا يعرفونه إلّا كان عليهم فتنة) ولا يشك ذو عرفان يميز بين منزلة القبيح ومرتبة الإحسان.

إن هذه الطائفة الصوفية لهم اصطلاحات خاصّة لا يهتدي إلى معرفتها إلا الراسخون في العلم ولا يصل إلى فهم معانيها إلا من أيده الله تعالى بنور الفهم، فبهذا السبب نسب إلى ذلك الجناب الإدريسي من المقالات مَن يستنكرها من جمد على الظواهر من أهل العرفان، ومن عرف مصطلحهم عرف أنها جارية على نهج السُّنَّة والقرآن. وفي الالحقيقة أنه لم يصدر منه إلا علوم زاخرةن ومعارف باهرة، لأنه من العلماء الربانيين، فأنا بحمد الله تعالى لازمته، وأخذت عنه علم الطريقة، وعثرت من معارفه على زبد الحقيقة ، فهو رباني هذه الأمة المحمدية ، وقطب دائرة الولاية الأحمدية ، لا يصل إلى مداه أحد من أهل عصره ، ولا يتحلى بحُليِّ معارفه، عالم من علماء دهره . قد خاض في بحر من العلوم فُراتُه نمير، فدع قول غيري ممن مال عنه ، وخذ بقولي فلا ينبئك مثل خبير.

وهذا الفقيه عبد الله بن سرور من حفاظ كتاب الله العزيز ، وكان قد أخذ عن علماء تهامة شيئا من العلوم ولازم السيد حسن بن خالد مدة وقرأ عليه ، ولكنه لم يكن له من الإدراك ما يميز به بين المعلوم والموهوم ، وأتخذ بلاد عسير وطنا ، ودان بمعتقد الطائفة النجدية في إطلاق لفظ الشرك الأكبر على جميع الأمة المحمدية من غير تفرقة بين الموحد منهم والمشرك الذي يعتقد النفع والضر في غير الله تعالى . 

وقد صدر من أمرائهم المتقدمين وقائع مختلفة بسبب هذا الاعتقاد سالت بها سيولٌ من الدماء في هذا القطر التّهامي ، مما هو مسطورٌ في تواريخ علماء اليمن ، ومعلوم بالتواتر لمن عقل لأنه ليس بالعهد من قدم ، فتلقى الفقيه عبد الله تلك تلك الكلمات من بعض أولئك الاتباع في مجالس أصحاب شيخنا السيد أحمد بن إدريس نفع الله به ، وعرضها على ما بلغ إليه علمه ، فاعتقد أنها خارجة عن معتقده ، وأنها ليست من العلوم الشرعية التي دان بها هو وأهل بلده .

ومازال يراجعني فيما يسمع ، وأرشده لما يصون دينه وعرضه وينفع ، و لكن رآني لا أقبل عذل عاذل في شيخنا المذكور ، فما سمع مني المقال . ومازال يصرح بأن السيد أحمد يعتقد مذهب ابن عربي من الاتحاد والحلول ، بمعنى أن الله تعالى يحل في كل صورة ويتحد بها ، وهذا كفر ، وهو مذهب النصارى، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً وأن ذلك مذهب شيخنا المذكور .

ثم إنه كتب نسخة حصر فيها اعتراضات على شيخنا المذكور ، منها اعتقاد هذه النحلة الكفرية ، وان أصحابه يعظمونه بما لا يستحقه إلا الله تعالى من الخضوع له ، وتقبيل اليد ، وأنهم يحملونه على السرير إن دخل بيته ، وإن خرج ولا يرضون أن يمشى على الأرض إكباراً وتعظيماً ، وأن هذا عين الشرك لأنه لا يستحق التعظيم بمثل هذه العبادة إلا الله تعالى، وأن أصحابه بهذا الفعل أشركوا ، وأن إقراره لهم على ذلك خطأ باعتقادهم مذهب بن عربي يتم كفر أصحابه ، كما كفّر بذلك طائفة من العلماء ابن عربي ، وأنّ السيد أحمد بن إدريس يفسر القرآن بغير ما دلت عليه اللغة العربية ، مما لا تقتضيه دلالة الكلام على اختلاف أنواعها ، وأنه يميت صلاة العصر حتى تصفر الشمس ، وتقع صلاة المغرب قرب صلاة العشاء ، بسبب تطويل الركعتين قبل صلاة المغرب ، وكلا الأمرين منهي عنه ، وأن بعض أصحابه يصحب الأحداث ، و يستحن مجالسة أهل الصور الحسنة من المردان ، وربما جرى من بعضهم الفاحشة ، وأن منهم من يختلي بالأجانب من النساء ، ولا يحترز من المقدمات التي هي رائد الزنا ، وأن منهم من يبطل علوم الشرع ، ويقدحون فيما ألفة علماء الإسلام من أصل وفرع ، وهذه أمور فواقر لا يصح السكوت عليها ولا يحل لولى الأمر أن يتغافل عنها.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية