آخر الأخبار

جاري التحميل ...

من دخل الدنيا وهو عنها حر ارتحل إلى الآخرة وهو عنها حر

من دخل الدنيا وهو عنها حر  ارتحل إلى الآخرة وهو عنها حر


سئل بعضهم عن التوحيد فقال : هو أن تشهد للعالم وجوداً بين طرفي العدم ، بمعنى أن الأغيار والرسوم والأطلال والأمثال والأشكال من العدم وجدت بقدرة خالقها، وآثارها يستحيل عليها الدوام ، وما يصح لها البقاء منها ، فجواز العدم معها ، لأن بقاءها بإبقاء المبقي، ولو قطع عنها البقاء لتلاشت ، وقد قال تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ).

قال بعض الناس : كل حي ميت إلا الله ، نظيره : ( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ )، أي مات ، وقال تعالى : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ )، فإذا عرف العبد أن العالَم بعرض الفنا لم يوطن إلا على كراهتها نفسه ، ولم يطلب فيها راحته وأنسه ، كيف لا وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( الدنيا سجن المؤمن).

وقد قيل في بعض الحكايات: عن جعفر الصادق أنه قال : (من طلب ما لم يُخلق أتعب نفسه ولم يرزق ، فقيل له : وما ذاك ، فقال : الراحة في الدنيا). 

فإذا كان بهذا الوصف دخل عليه الزهد ، فإن من لم تتساو عنده الأخطار ولم يسقط عن قلبه للدنيا الوزن والمقدار ، لم يزل في سجن حرصه وفي أسر نفسه ، وفي رق شهوته، وفي ذل طمعه ، ومن استوت عنده الأخطار ، وصل إلى روح الحرية ، ولهذا قال مشايخ هذه الطريقة : (من دخل الدنيا وهو عنها حر ، ارتحل إلى الآخرة وهو عنها حر ، ومن كانت بغيته من المطالبات ، فوق ما لا بد له من الضرورات ، فهو عن ربه محجوب).

وقد سئل الجنيد ، رحمه الله تعالى، عمن خرج من الدنيا ولم يبق عليه إلا مص نواة فقال مستشهداً: ( المكاتب عبد ما بقى عليه درهم ).
وحكى عن بنان الجمال أنه قال: (كنت مطروحاً على باب بني شيبة سبعة أيام لم أذق شيئاً فنوديت في سري : "أن من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أعمى الله عين قلبه").

وكان علي الدقاق يقول : {إن القلوب كانت متفرقة في الدنيا فقبضها الله تعالى عنها بقوله: ( قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى )، فلما تعلقت القلوب بالآخرة قطعها الله سبحانه عنها بقوله : ( وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى )}.

وقال يحيى بن معاذ : (الزاهد صيد الحق من الدنيا ، والعارف صيد الحق من الآخرة). ولا غرو أن يزهد عارف بمن لم يزل في حاصل بعد أن لم يكن إذا صفت همته عن كدورة أمنيته، وتخلص سره عن وحشة حجبته ، وهذا المتنبي قال: من رأس دعواه على سبيل العادة من غير تحقيقه بمعنى ما قال ، وكل ما خلق الله وما لم يخلق محتقر في همتي ، كشعرة في مفرقي.

وأما من قال : (تبارك) أي تعظم فمن طالع عظمته، وشاهد سلطانه ورفعته، وتحقق علوه وعزته، نسى صولته ، وترك سطوته، فلا يدعي في شئ أنه من حوله وقوته، ولا يرى شيئا بقدرته واستطاعته، واعتصم بعجزه وفاقته.



وقال بعض المشايخ: (إذا عظم الرب في القلب صغر الخلق في العين، وعلامة من صغر الخلق في عينه رؤية الإفلاس ، والتحقق باليأس من الناس ، ولزوم الورع ، وقطع الطمع)، ووقف بعضهم على بعض عقلاء المجانين، فقال: ألك حاجة؟ فقال : نعم، قال: وما هي ؟ قال: تزحزحني عن النار وتدخلني الجنة، قال: ذلك ليس إليَّ ، فقال: لم سألتني عن حاجة لا تقدر على قضائها . 

وسئل بعضهم عن التصوف ، فقال ذبح الأماني بسكاكين اليأس ، فها هنا يجد العبد العذر . لهذا قال بعضهم: التصوف التكبر على أهل الدارين ثقة بالله تعالى. وقال بعضهم لرابعة العدوية: إن فلاناً صديقك يريد أن يواصيك بشئ من الدنيا، فقالت: إن صديقنا فلان وفلان وكلنا عبيد ، ومن المحال أن الله يرزقهم ويتركني.

شرح أسماء الله الحسنى للقشيري

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية