ثم دعاهم إلى التوحيد بعد بيان الحجة فقال : { إن الله ربي وربكم فاعبدوه } ولا تعبدوا معه سواه ، { هذا صراط مستقيم } لا عوج فيه . قال البيضاوي : أي : لما جئتكم بالمعجزات القاهرة والآيات الباهرة ، { فاتقوا الله } في المخالفة ، { وأطيعون } فيما أدعوكم إليه ، ثم شرع في الدعوة وأشار إليها بالقول المجمل ، فقال : { إن الله ربي وربكم } ؛ أشار إلى استكمال القوة النظرية بالاعتقاد الحق الذي غايتُه التوحيد ، وقال : { فاعبدوه } ؛ إشارة إلى استكمال القوة العملية بملازمة الطاعة ، التي هي الإتيان بالأوامر والانتهاء عن المناهي ، ثم قرر ذلك بأن الجمع بين الأمرين هو الطريق المشهود له بالاستقامة ، ونظيره : قوله عليه الصلاة والسلام : « قُلْ آمَنْتُ بِاللّهِ ثم اسْتَقِمْ » .
الإشارة
قال صلى الله عليه وسلم: «من انقطع إلى اللّهِ كَفَاه الله كلَّ مُؤْنة، ورَزقه من حيثُ لا يحتسِبُ، ومن انطقعَ إلى الدنيا وكَلَه الله تعالى إليها».
وقال بعضهم: صِدْقُ المجاهدة: الانقطاع إليه من كل شيء سواه. فالانقطاع إلى الله في الصغر يخدم على الإنسان في حال الكبر، ومعاصي الصغر تجر الوبال إلى الكبر، فكما أن عيسى عليه الصلاة والسلام كان يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، كذلك من انقطع بكُلِّيته إلى الله أبرأ القلوبَ السقيمة بإذن الله، وأحيا موتى القلوب بذكر الله، وأخبر بالغيوب وما تدخره ضمائر القلوب، يدل على طاعة الله، ويدعو بحاله ومقاله إلى الله، يهدي الناس إلى الصراط المستقيم، ويوصل من اتبعه إلى حضرة النعيم. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق.
تفسير ابن عجيبة
تفسير ابن عجيبة