"ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون"
من الأمور التي يكثر حولها الجدل عند الصوفية مسألة الولاية والأولياء ومراتب الأولياء وختم الولاية، وقبل أن نلج في هذا الموضوع لنتعرف على معنى الولاية أو الولي، ففي معاجم اللغة الولاية تأتي بمعنى القرب وبمعنى المحبة، والولي كل من وليَ أمراً أو قام به وهو النصير أيضاً والمحب والصديق، إذن فيتلخص معنى الولاية والولي بالمحبة والمحب ويلزم منه القرب والنصرة.
ولكن ما معنى أن يحب الله عبدا ويتولاه فيصبح ولياً؛ المحبة هي في حق المخلوقين ميل ورقة في القلب وهذا الميل والرقة يستدعي إنعاما على المحب وإرادة الخير له، والرقة والميل محالان في جناب الحق تعالى فيكون معنى المحبة الإنعام على سبيل الابتداء وإرادة الخير والكفاية والنصرة، والقرب الذي يكون في الولاية هو في حق الله قرب معنوي فهو قريب من وليه بمحبته ونصرته، وليس قرب مكان كما يتوهم بعض المجسمة.
وعند أهل الشرع الولاية نوعان؛ ولاية عامة وهي ولاية الله تعالى لجميع المؤمنين قال تعالى :"الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور"، وولاية خاصة وهي التي يتحدث عنها الصوفية قال تعالى :"ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم"، وهي كما في الرسالة القشيرية :"من توالت طاعاته من غير تخلل معصية، وهو الذي يتولى الحقّ سبحانه حفظه وحراسته على الإدامة والتوالي، فلا يخلق له الخذلان الذي هو قدرة العصيان، وإنما يديم توفيقه الذي هو قدرة الطاعة، قال الله تعالى: " وهو يتولى الصالحين".
وقال الإمام الغزالي:"الولي من العباد من يحب الله عز وجل ويحب أولياءه وينصره وينصر أولياءه ويعادي أعداءه، ومن أعدائه النفس والشيطان، فمن خذلهما ونصر أمر الله تعالى ووالى أولياء الله وعادى أعداءه فهو الولي من العباد"، وقال الإمام عبدالله بن عمر البيضاوي الولاية لا تتم إلا :"بالإعراض عن غير الله عز وجل، ومن أعرض عن الغير متوجهاً إليه فهو من أوليائه".
وقد عرّفه الإمام إبراهيم الباجوري في كتابه شرح جوهرة التوحيد، وهو من كتب العقائد عند أهل السنة :"الولي: هو العارف بالله وصفاته حسب الإمكان، المواظب على الطاعات المجتنب للمعاصي المعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات".
فالذي نفهمه أن الولاية أمر كسبي يتحصل عن طريق المجاهدة والطاعات والالتزام بالشرع والوقوف مع أوامر الله في الكتاب والسنة، ثم يحصل نور من الله وهبي لهذا الإنسان الذي جاهد نفسه والتزم أوامر الله واجتنب نواهيه، قال تعالى :"اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"، فهذا مثل للمؤمن وقلبه هو المشكاة ويُوقَد من القرآن والسنة وهي الشجرة المباركة، وهذه أنوارٌ وهبية من الله تعالى، وفي الآية :"أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه".
وفي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إن الله تعالى قال :"من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته، ولا بد له منه" رواه البخاري.
قال الإمام أبو سليمان حمد بن محمد البُستي الخطابي معلقا على الحديث :"أي: يسرت عليه أفعاله المنسوبة إلى هذه الآلات، ووفقته فيها، حتى كأني نفس هذه الآلات، وقيل: أي: يجعل الله حواسه وآلاته وسائل إلى رضائه فلا يسمع إلا ما يحبه الله ويرضاه، فكأنه يسمع به إلخ. وقيل: أي: يجعل الله سلطان حبه غالباً عليه حتى لا يرى إلا ما يحبه الله، ولا يسمع إلا ما يحبه، ولا يفعل إلا ما يحبه، ويكون الله سبحانه في ذلك له يداً وعوناً ووكيلاً يحمي سمعه وبصره ويده ورجله عما لا يرضاه".
فانظر كيف بدأ المؤمن في هذا الحديث بالسير إلى الله بالطاعات ثم وصل إلى مرتبة الولاية فوهب الله له مواهب لدنية حتى أصبح العبد محفوظا بحفظ الله تعالى له.
هل الولي معصوم
قال القشيري رحمه الله هل يكون الولي معصوماً قيل: أما وجوباً، كما يقال في الأنبياء فلا. وأما أن يكون محفوظاً حتى لا يصر على الذنوب إن حصلت هنات أو آفات أو زلات، فلا يمتنع ذلك في وصفهم، ولقد قيل للجنيد: العارف يزني يا أبا القاسم؟ فاطرق ملياً، ثم رفع رأسه وقال:"وكان أمر الله قدراً مقدرواً"، ونقل هذا الكلام الإمام يحيى بن شرف النووي عن القشيري في بستان العارفين وأقره عليه.
هل تسلب الولاية
الذي يفهم من كلام العلماء أن المسألة فيها قولان؛ الأول لا تسلب الولاية، والثاني قال تسلب الولاية، أما القول الأول فهو مبني على أن من شرط الولاية سلامة العاقبة أي الموت على الطاعة والولاية، وأما أصحاب القول الثاني فلا يشترطون ذلك وهو ما اختاره القشيري والنووي رضي الله عنهما.
هل الولاية أفضل من النبوة
القاضي عبد رب النبي بن عبد رب الرسول الأحمد نكري في كتابه دستور العلماء :"الولاية أفضل من النبوة قول بعض الصوفية وقيل حديث نبوي وأفضليتها من النبوة بخمسة وجوه:
أحدها: أن الولاية صفة الخالق والنبوة صفة المخلوق.
وثانيها: أن اشتغال الولاية إلى الحق واشتغال النبوة إلى الخلق.
وثالثها: أن الولاية أمر باطن والنبوة أمر ظاهر.
ورابعها: أن الولاية أمر خاص والنبوة أمر عام.
وخامسها: أن الولاية لا انتهاء لها والنبوة لها انتهاء.
وفي شرح المقاصد حكي عن بعض الكرّامية (المجسمة) أن الولي قد يبلغ درجة النبي بل أعلى، وعن بعض الصوفية أن الولاية أفضل من النبوة لأنها تنبئ عن القرب والكرامة كما هو شأن خواص الملك المقربين منه، والنبوة عن الأنباء والتبليغ كما هو حال من أرسله الملك إلى الرعايا لتبليغ أحكامه. إلا أن الولي لا يبلغ درجة النبي لأن النبوة لا تكون بدون الولاية، وفي كلام بعض العرفاء إن ما قيل؛ الولاية أفضل من النبوة لا يصح مطلقا. وليس من الأدب إطلاق القول به بل لا بد من التقييد وهو أن ولاية النبي أفضل من نبوته لأن النبوة متعلقة بمصلحة الوقت والولاية لا تعلق لها بوقت دون وقت بل قام سلطانها إلى قيام الساعة بخلاف النبوة فإنها بجناب أقدس محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم حيث ظاهرها الذي هو الإنباء وإن كانت دائمة من حيث باطنها الذي هو الولاية أعني التصرف في الخلق بالحق، فإن الأولياء من أمة محمد صلـى الله عليه وسلم لهم تصرف في الخلق بالحق إلى قيام الساعة. ولهذا كانت علامتهم المتابعة إذ ليس الولي إلا مظهر تصرف النبي.
وعن أهل الإباحة والإلحاد أن الولي إذا بلغ الغاية في المحبة وصفاء القلب وكمال الإخلاص سقط عنه الأمر والنهي ولم يضره الذنب ولا يدخل النار بارتكاب الكبيرة، والكل فاسد بإجماع المسلمين ولعموم الخطابات(الآيات). ولأن أكمل الناس في المحبة والإخلاص هم الأنبياء سيما حبيب الله خاتم رسل الله تعالى عليه الصلاة والسلام مع أن التكاليف في حقهم أتم وأكمل حتى يعاتبون بأدنى زلة بل بترك الأولى والأفضل".
إذن فالقول بأن الأولياء أفضل من الأنبياء هو قول باطل بإجماع أهل السنة، فالأنبياء هم أعلى البشرية درجة بل قال علماء أهل السنة أن الأنبياء أفضل من الملائكة بل محمد صلى الله عليه وسلـم أفضل الخلق على الإطلاق، وهذا هو اعتقاد صوفية أهل السنة والجماعة.
مراتب الولاية عند الصوفية
أصحاب مراتب الولاية الذين يحصرهم عدد وهي ملخصة من كتاب الفتوحات المكية لابن عربي الحاتمي لخصها الدكتور عاصم إبراهيم الكيلاني، ونحن لا نوافق على هذا التقسيم وهو لم يوجد عند المتصوفة من أهل السنة بهذا الوصف؛ وهي: الأقطاب وهم الجامعون للأحوال والمقامات بالأصالة أو بالنيابة لا يكون منهم في الزمان إلا واحد وهو الغوث أيضا وهو من المقربين وهو سيد الجماعة في زمانه.
الإمامان
لا يزيدون في كل زمان عن اثنين الواحد عبد الرب والآخر عبد الملك والقطب عبد الله ولو كانت أسماؤهم ما كانت، وهما له بمنزلة الوزيرين الواحد منهم مقصور على مشاهدة عالم الملكوت وهو عن يمين القطب والآخر على عالم الملك وهو على يسار القطب وهو أعلى منزلة من صاحبه وهو من يخلف القطب إذا مات.
الأوتاد
وهم أربعة في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون الواحد منهم يحفظ الله به المشرق وولايته فيه، والآخر المغرب والآخر الجنوب والآخر الشمال والتقسيم من الكعبة، وقد يكون منهم النساء وكذلك غيرهم وألقابهم عبد الحي وعبد العليم وعبد القادر وعبد المريد.
الأبدال
وهم سبعة لا يزيدون ولا ينقصون يحفظ الله بهم الأقاليم السبعة لكل بدل منهم إقليم فيه ولاية وإنما سموا أبدالا لكونهم إذا فارقوا موضعا ويريدون أن يخلفوا فيه بدلا منهم في ذلك الموضع لأمر يرون فيه مصلحة وقربة يتركون به شخصا على صورتهم لا يشك أحد ممن أدرك رؤية ذلك الشخص أنه عين ذلك البدل وليس هو بل هو شخص روحاني يتركه بدلا منه على علم منه فكل من له هذه القوة فهو البدل ومن يقيم الله عنه بدلا في موضع ما ولا علم له بذلك فليس من الأبدال المذكورين.
النقباء
وهم اثنا عشر نقيبا في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون على عدد بروج الفلك الإثني عشر برجا، كل نقيب عالم بخاصية برج، واعلم أن الله تعالى قد جعل بأيدي هؤلاء النقباء علوم الشرائع المنزلة ولهم استخراج خبايا النفوس وغوائلها ومعرفة مكرها وخداعها، وأما إبليس فمكشوف عندهم يعرفون منه ما لا يعرفه من نفسه وهم من العلم بحيث إذا رأى أحدهم وطأة شخص في الأرض علم أنها وطأة سعيد أو شقي.
النجباء
وهم ثمانية في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون وهم الذين تبدوا منهم وعليهم أعلام القبول من أحوالهم وإن لم يكن لهم في ذلك اختيار لكن الحال يغلب عليهم ولا يعرف ذلك منهم إلا من هو فوقهم لا من هو دونهم.
الحواريون
وهو واحد في كل زمان فإذا مات ذلك الواحد أقيم غيره.
الرجبيون
وهم أربعون نفسا في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون، هم رجال حالهم القيام بعظمة الله وهم من الأفراد، وسموا رجبيين لأن حال هذا المقام لا يكون لهم إلا في شهر رجب من أول استهلال هلاله إلى يوم انفصاله ثم يفقدون ذلك الحال من أنفسهم فلا يجدونه إلى دخول رجب من السنة الآتية وقليل من يعرفهم من أهل هذا الطرق وهم متفرقون في البلاد يعرف بعضهم بعضا.
الختم
وهو واحد لا في كل زمان بل واحد في العالم يختم الله به الولاية المـحمدية، فلا يكون في الأولياء المـحمديين أكبر منه، وثم ختم آخر يختم الله به الولاية العامة من آدم إلى آخر ولي وهو عيسى عليه السلام هو ختم الأولياء كما كان ختم دورة الفلك فله يوم القيامة حشران يحشر في أمة مـحمد صلى الله عليه وسـلم ويحشر رسولا مع الرسل عليهم الصلاة والسلام.
وقد أدعى ابن عربي أنه ختم الأولياء.
رجال التحكم
وهم عشرة أنفس في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون مقامهم إظهار غاية الخصوصية بلسان الانبساط في الدعاء وحالهم زيادة الإيمان بالغيب فلا يكون لهم غيب فكل غيب لهم شهادة.
وهذه المراتب المحصورة بعدد أما المراتب غير المحصورة بعدد فكثيرة؛ منهم الأفراد وهم الرجال الخارجين عن نظر القطب ومنهم الأمناء وهم الملامتية ومنهم رجال الفتح ورجال الإمداد ورجال المعراج وغير ذلك.
وكل هذا الكلام ليس عليه دليل من كتاب ولا سنة ولم يثبته أهل السنة والجماعة ولا أهل التصوف منهم، فما نجد هذا الكلام عند القشيري في رسالته ولا عند الإمام الغزالي ولم يذكره الإمام النووي في كتابه بستان العارفين عندما ذكر الأولياء والولاية، ولم يقل به شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله، وكثير ممن يقول بهذه المقامات يقرر أن لهؤلاء الأولياء تحكم وتصرف في هذا العالم نيابة عن الله، وهذا فيه ما فيه عند علماء العقائد، وهو مرفوض عند علماء أهل السنة والجماعة.
المصدر : البوصلة