آخر الأخبار

جاري التحميل ...

بيان فوائد الذكر وبيان كيفيته وبعض ما ورد في الحث عليه

اعلم رحمك الله أن للذكر فوائد لا تنحصر لأن الذاكر يصير جليس الله تعالى لا يرى فيه بينه وبين ربه واسطة، فلا يعلم أحد قدر ما يتحفه الحق تعالى من العلوم والأسرار كلما ذكر، لأنها حضرة لايرد عليها أحد ويفارقها بغير مدد، فيقال لمن ادعى أنه حضر بقلبه فى ذكره مع ربه: ماذا أتحفك وأعطاك فى هذا المجلس؟ فإن قال : ماأعطانى شيئا، قلنا له : وأنت الآخر لم تحضر معه شيئاً، فاتخذ لك شيخا يزيل عنك الموانع المانعة لك عن الحضور، فإن لم يتخد له شيخا قلنا له : أكثر من الذكر ولو بغير حضور، وكذلك قال صاحب الحكم : (لا تَتْرُكِ الذِّكْرَ لِعَدَمِ حُضورِكَ مَعَ اللهِ فيهِ، لِأَنَّ غَفْلَتَكَ عَنْ وُجودِ ذِكْرهِ أَشَدُّ مِنْ غَفْلتِكَ في وُجودِ ذِكْرِهِ. فَعَسى أَنْ يَرْفَعَكَ مِنْ ذِكْرٍ مَعَ وُجودِ غَفْلةٍ إلى ذِكْرٍ مَعَ وُجودِ يَقَظَةٍ، وَمِنْ ذِكِرٍ مَعَ وُجودِ يَقَظَةٍ إلى ذِكِرٍ مَعَ وُجودِ حُضورٍ، وَمِنْ ذِكِرٍ مَعَ وُجودِ حُضورٍ إلى ذِكِرٍ مَعَ وُجودِ غَيْبَةٍ عَمّا سِوَى المَذْكورِ، "وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ").

وأجمع القوم على أن الذكر مفتاح الغيب، وجاذب الخير، وأنيس المستوحش، ومنشور الولاية، فلا ينبغي تركه، ولو مع الغفلة، ولو لم يكن من شرف الذكر إلا أنه لا يتوقف بوقت لكان ذلك كفاية في شرفه قال تعالى : ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) وقالوا ما ثم أسرع من فتح الذكر، وهو جامع لشتات صاحبه، وإذا غلب الذكر على الذاكر، امتزج بروح الذاكر حب اسم المذكور.

واعلم يا أخي أنه لا يجد أنس الذكر إلا من ذاق وحشة الغفلة، فأما المستغرق فلا يجد أنساً ولا وحشة، ولا يخاف من سبع أوحية.

 وبعد ما نبهناك عليه من فائدة الذكر، فلنورد إليك شيئاً من فضله لأن القلب يقوى بالاطلاع على الدليل، فروى الشيخان وغيرهما مرفوعاً : (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ، ذِكْرُ اللَّهِ )

وروى الشيخان مرفوعا : يقول الله عوز وجل : (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعهُ إِذَا ذَكَرَني) وفي رواية : (أنا مع عبدي إذا ذكرني وتحركت بي شفتاه)

وكان مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَقُولُ : إِنَّ آخِرَ كَلِمَةٍ فَارَقْتُ عَلَيْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ أَوْ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ " . 

وفى الصحيح مرفوعا ( إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ صِقَالَةً ، وَإِنَّ صِقَالَةَ الْقُلُوبِ ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ . قَالُوا : وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ ، إِلَّا أَنْ يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ).

وروى ابن حبان فى صحيحه مرفوعا : (لَيَذْكُرَنَّ اللَّهَ قَوْمٌ فِي الدُّنْيَا عَلَى الْفُرُشِ الْمُمُهَّدَةِ يُدْخِلُهُمُ اللَّهُ الدَّرَجَاتِ الْعُلَا) وروى الشيخان مرفوعاً : (مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ).

وأجمع العلماء سلفاً وخلفاً، على استحباب ذكر الله تعالى جماعة في المساجد وغيرها
وقد شبه الإمام الغزالي ذكر الإنسان وحده وذكر الجماعة، بأذان المنفرد وأذان الجماعة، قال : (فكما أن أصوات المؤذنين جماعة، تقطع جرم الهواء أكثر من صوت مؤذن واحد، كذلك ذكر الجماعة على قلب واحد أكثر تأثيراً في رفع الحجاب من شخص واحد) وأما من حيث الثواب فلكل واحد ثواب نفسه وثواب سماع رفيقه. ووجه كون الذكر جماعة أكثر تأثيراً في رفع الحجب الكثيفة، كون الحق تعالى شبه القلوب بالحجارة، ومعلمو أن الحجر الكبير لا ينكسر إلا بقوة جماعة مجتمعين على قلب واحد، لأن قوة الجماعة أشد من قوة الشخص الواحد، ومن هنا اشترطوا في الذكر أن يكون بقوة تامة، واستدلوا بقوله تعالى :(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) فكما أن الحجر لا ينكسر إلا بقوة، كذلك الذكر لا يؤثر في جمع شتات قلب صاحبه إلا بقوة

فإن قلت : فهل الاجتماع على الذكر أفضل أم هو بدعة كما يزعم بعضهم؟ قلنا هو مستحب يحبه الله ورسوله وأى عبادة أفضل من عبادة قوم يجتمعون على ذكر الله ويجالسونه بذكرهم، فإن قلت: فما الدليل على أن الاجتماع على الذكر أفضل؟ الجواب: أن فى الدليل على ذلك مارواه مسلم والترمذى مرفوعا : (لا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) وروى الإمام أحمد بإسناد حسن مرفوعا : (مَا مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، لا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِلا وَجْهَ اللَّهِعَزَّ وَجَلَّ ، إِلا نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : قُومُوا مَغْفُورًا لَكُمْ ، قَدْ بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُكُمْ حَسَنَاتٍ).

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية