الإرادة حلية العوام
فصل الإرادة (1) حلية العوام وهي تجريد القصد إلى الله تعالى وجزم النية والجد في الطلب له، وذلك في طريق الخواص نقص وتفرق ورجوع إلى الأسباب والنفس، فإن إرادة العبد عين حظه وهو رأس الدعوى، وإنما الجمع والوجود فيما يراد بالعبد من الله، لا فيما يريد. قال تعالى : (وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ) فيكون مراده ما يراد به مما ورد الشرع بإرادته واختياره ما يختار له بالشرع كما قيل :
أُريدُ وِصَالَهُ ويُريدُ هَجْري فَأتْرُك مَا أُريدُ لِمَا يُريدُ
وحكي عن بعض المشايخ أنه قال :(أوقفني الحق بين يديه سبحانه ثم قال لي : أتريد التحف ؟ قلت : لا. قال : أفتريد الطرف ؟ فقلت : لا. قال : أفتريد الغرف ؟ قلت : لا. فما تريد ؟ قلت : أريد أن لا أريد، فإن إرادتي لا تساوي شيئاً، لأني جاهل من كل الوجوه وأنت يا رب عالم بكل الوجوه. فاختر لي ما تعلم أن فيه الخيرة، ولا تجعل تدميري فيما فيه اختياري وتدبيري (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ).
وحكي عن أبي يزيد رضي الله عنه أنه قال :(ركبت مركبة الصدق حتى بلغت الهوى، ثم ركبت مركب الشوق حتى بلغت السماء، ثم ركبت مركب المحبة حتى بلغت سدرة المنتهى فنوديت : يا أبا يزيد ما تريد ؟ قلت أريد أن لا أريد لأني أنا المراد وأنت المريد.) فقيل : الآن بلغت المراد.
فصحة الإرادة بذل الوسع واستفراغ الطاقة مع ترك الاختيار والسكون تحت مجاري الأقدار. فتكون كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء كما قيل :
أَبَى القلب لا أم عمر فأصبحت صفيته إن زارها أو تجنُّبا
عدُوٌّ لمن عادت وسلم لسلمها ومن قربت لَيلَى أحب وقَرَّبا
** ** **
هوامش
1 - الإرادة : وهي شرارة من نار المحبة في القلب تجعل السالك مستعدا لدواعي الحق، أو هي الإقبال بالكلية على الحق، والإعراض عن الخلق، وهي ابتداء المحبة. ويعرفها ابن عربي أنها : لوعة في القلب ويراد بها عند القوم : إرادة التمني وهي منية، وإرادة الطبع ومتعلقها الحظ النفسي، وإرادة الحق سبحانه ومتعلقها الإخلاص.