لا وجود حقيقي إلا لله سبحانه وتعالى
فلا موجود إلا الله تعالى : ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ)، (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)، (فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ)، (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ)، (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)، (قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)، (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ).
وقال سيدنا عمر رضي الله عنه : (ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله فيه).
وقلنا - عفا الله عنا - : ومحال أن يُرى ربنا ويُرى معه سواه كما عليه أهل التحقيق ولا يدريه من ليس له قدم في الطريق، قال بعضهم :
مُذ عرّفتُ الإله لم أرَ غيرّا وكذا الغيرُ عندّنا ممنوع
مُذ تجمّعتُ مَا خشيتُ افتراقا فأنا اليوم واصل مجموع
معناه والله أعلم : مذ عرفت ربي معرفة أهل الشهود والعيان لا معرفة أهل الدليل والبرهان لم أرَ حينئذ في كل شيء إلا هو كما رآه - سيدنا عمر رضي الله عنه - وقوله أيضاً :
مُذ تجمّعتُ مَا خشيتُ افتراقا فأنا اليوم واصل مجموع
معناه والله أعلم : مذ رأيت الوحدة في الكثرة ما خشيت أن أرى الكثرة في الوحدة كما كان شأني قبل أن أشاهد ربي في كل شيءن ولا شك أن لا موجود إلا الله، إنما الوهم حجبنا عن شهوده، والوهم باطل.
قال الشيخ الجليل سيدي ابن عطاء الله رضي الله عنه في التنوير : (لو انْهَتَكَ حجاب الوهم لوقع العيان على فقد الأعيان، ولأشرق نور الإيقان فغطى وجود الأكوان).
وقال سيدي المجذوب رضي الله عنه :
غيبت نظري في نظرو وافنيت عن كل فان
حققت ما وجدت غيرو واْمشيت في الحال هانِ
فلا يتصور لكم في عقولكم وجود موجود مع الله، إذ ليس مع الله سوى الله، كما عليه كافة أهل التحقيق، ولا يدريه من ليس له قدم في الطريق، ولا تكرهوا الخواطر النفسانية غن تسلّطت عليكم وترادفت بجيوشها في قلوبكم، بل اسلبوا لربكم الإرادة في نفوسكم وقت تسلطها عليكم، واسكنوا ولا تتحركوا واطلقوا منها ولا تنقبضوا فيها، وارقدوا إن أمكنكم حتى تشبعوا إذ الرقاد وقت الشدائد فيه من الفوائد خرق العوائد، إذ هو سلب الإرادة لله، وكل من سلب إرادته إلى ربه بكله أخد بيده،فلا تكرهوا الخواطر النفسانية إن كثرت عليكم بل كونوا كما قلنا لكم فإنها تربحكم، ولعن الله من كذب عليكم، وبسببها يستقر التوحيد بقلوبكم، وتذهب الشكوك والأوهام عنكم، أو بها يقع السير ويحصل الخير، أو بها يحصل الزوال والخلاص من كل ضلال، وإياكم أن تهتموا من أجل كثرة القواطع - أو نقول : الموانع - إذ الخبير قواه الله يطويها لكم إن كنتم على ما قلنا لكم. وقد قال لي بعض الفقهاء رضي الله عنهم : الشهوة قد ضرّتني، فقلتُ له : أنا هي التي نفعتني ! ولا عليَّ إلا فضل الله وفضلها، والله ما ننسى جميلها.
فأهل العلم بالله لا يفرون من الأشياء كغيرهم إذ هم يشاهدون ربهم في كل شيء، وغيرهم يفرون منها، إذ هم - لطف الله بهم - محجوبون بشهود المكون عن شهود الأكوان، ولذلك قال الشيخ الجليل سيدي ابن عطاء الله رضي الله عنه في حكمه :(إنما يستوحش العُبّاد والزهاد من كل شيء لغيبتهم عن الله في كل شيء، فلو شهدوه في كل شيء لم يستوحشوا من شيء)
واعلموا رحمكم الله أن لا مانع من شهود ربنا إلا وقوفنا مع شهوات أنفسنا، وإياكم أن تقولوا إن الكون هو الذي حجبنا عن المكوِّن، بل والله ما حجبنا عنه إلا الوهم الذي أنتجه الجهل، ولو علمنا لأنتج لنا علمنا اليقين، واليقين يسلب قلوبنا وسرائرنا من رؤية الأغيار - كما هو شأنه - ولو انْهَتَكَ حجاب الوهم لوقع العيان على فقد الأعيان، ولأشرق نور الإيقان فغطى وجود الأكوان.
والمشاهدة بالبصيرة لا بالبصر، ومن زعم أن الأشياء تمنع منها فليس له علم بها إذ لا مانع منها إلا الوهم والوهم باطل، ولو ذهب لوجد كل شيء وسيلة إلى الله، ولا وسيلة إليه سواه، "عرفتُ ربي بربي ولولا ربي ما عرفتُ ربي".
وقال الشيخ الجليل سيدي ابن عطاء الله في حكمه :(متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ؟ و متى بعُدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك ؟)، وفيها "(ربما نصبت لك الكائنات لا لتراها ولكن لترى فيها مولاها) ... إلى غير هذا، والسلام.